وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّ العمدة هي الطهارة الباطنيّة.
ورابعا : أنّ القول بأنّ الغسل أعمّ وأكثر ، وهو الذي غلب واستمر ، ولم ينقل غيره إلّا في مسح الخفّين ، فلا يصير مرجّحا ، فإنّ العمدة دلالة الدليل وما يستفاد من ظاهره ، مع أنّ للقائلين بالمسح أن يقولوا بأنّ المسح مرويّ عن النبي صلىاللهعليهوآله والصحابة ـ كما اعترف به الخصم ـ وهو الذي غلّب عندهم واستمر ، ولا مرجّح لمذهب غيرهم على مذهبهم.
وخامسا : أنّ ما ذكره بعضهم من أنّ جعل الغاية في الرجلين ، لدليل على أنّ المطلوب هو الغسل. كما أنّ جعل الكعبين دليل آخر ، لأنّ الغسل لا يحصل إلّا باستيعابهما بالماء ، لأنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجلين.
فهو غير صحيح ، فإنّ جعل الغاية لا يدلّ على كون المطلوب هو الغسل ، بل هو أعمّ كما هو واضح. يضاف إلى ذلك أنّ الغاية ليست للغسل ، بل هي غاية للممسوح ، على نحو ما ذكرناه في غسل الأيدي.
وأما ما ذكر في معنى الكعب ، فقد تقدّم الكلام فيه ، وذكرنا أنّ المراد منه هو العظم البارز في ظاهر القدم ، وتقدّم الكلام في وجه إتيان صيغة التثنية ، وقلنا : إنّ مثل هذه الخطابات تنحلّ إلى خطابات متعدّدة بتعدّد المخاطبين المكلّفين ، فذكر الكعبين باعتبار كلّ مكلّف ، ولم يسمع في فصيح الكلام أن تنحل جمع الأرجل إلى أفرادها ، فيقال : وأرجلكم إلى الكعب ، باعتبار الرجل الواحدة ، إلّا أن يقال : (وامسحوا بأرجلكم ، كلّ رجل إلى الكعب) ، والسرّ في ذلك أنّ غير الجموع الخطابيّة لا علاقة لها بحلّها إلى المفردات ، إلّا أن يشار إلى المفرد بالتصريح في الخطاب ، كما يقال : كلّ رجل يجب مسحها إلى الكعب ، وهو خلاف الفرض.
ومن ذلك يعرف أنّه لو كان المراد من الكعب هما العظمين الناتئين في جانبي الرجل لقال : إلى الكعاب ، لأنّ في كلّ رجل كعبين ، بخلاف ما إذا كان كعب في كلّ رجل ، كما عرفت فافهم.