وهذه الروايات لا بدّ من حملها على ما إذا لم يستلزم تضييع الحقّ ولا التعدّي على حرمات الله تعالى ، وإلّا فإنّ الدفاع عن النفس ، وانتصار الحقّ ، وكشف الكرب عن المظلوم بردع الظالم ، وحفظ مشاعر الدين عن المعتدين بالجهاد وغيرها ، من الواجبات العقليّة النظاميّة ، أكد عليها الشرع.
ومن المحتمل أنّ الروايات صدرت عن أشخاص أرادوا منها جوانب خارجية ، لعلّ منها صرف المسلمين عن الحرب مع علي عليهالسلام ضدّ معاوية أو الخوارج أو طلحة والزبير ، أو تجميد دوافعهم التي كانت تؤيّد الحقّ وتسانده.
وكيف كان ، فلا بدّ من حمل الروايات وإلّا فتطرح.
وهناك روايات اخرى تتعلّق بقصة قابيل ومجازاته ، ذكرها أرباب التفاسير ـ كالسيوطي وغيره ـ لا يقبلها العقل ، وهي أشبه بالقصص الوهميّة أو الخرافات الخياليّة ، فلا بدّ من طرحها أيضا والله العالم.
بحث كلامي :
وردت كلمة التقوى في القرآن والسنّة ـ بل في الكتب السماويّة ـ كثيرا ، وحثّت عليها الشرائع الإلهيّة ورغّبت إليها. وهي صفة ـ أو حالة نفسانيّة ـ تعرض على الإنسان الملتزم بالدين ، وقد تزول عنه حسب العوامل النفسيّة والمكائد الشيطانيّة ، فهي من الأمور الإضافيّة ، تختلف حسب درجات الإيمان والثقة بالمبدأ عزوجل.
وهي في اللغة : جعل النفس في وقاية ممّا يخاف. بل جعل نفس الخوف تقوى ، من باب تسمية مقتضي الشيء باسم مقتضاه.
وقد عرّفت في الشرع بتعاريف متعدّدة ، ولعلّ أسلمها : حفظ النفس عمّا يؤثم. وذلك بترك المحظور ، ويتحقّق باجتناب بعض المباحات ، أي التنزّه عن الحلال مخافة الوقوع في الحرام ، لما روي : «الحلال بيّن والحرام بيّن ، ومن رتع حول