وسادسا : بعد أن عرفت عدم صلاحية تلك الوجوه لترجيح قراءة النصب ، ننتقل إلى أقوى الحجج اللفظية لأهل السنّة على الإماميّة ، وهي الأخبار التي استدلّوا بها على وجوب غسل الرجلين ، وفيها أنّه إذا كانت الآية تدلّ على المسح ، فتكون الأخبار ناسخة لها ، كما قال به بعض السلف كأنس والشعبي ، فقد نقل عنهم أنّه قال : «أتى جبرئيل بالمسح والسنّة بالغسل» ، فحينئذ يأتي الكلام في أنّه هل يجوز نسخ الكتاب بالخبر الواحد؟ والبحث طويل.
يضاف إلى ذلك أنّها متعارضة في ما بينها ، فإنّ بعضها يدلّ على الغسل ، وبعضها يدلّ على المسح ، كما أنّها معارضة بالأخبار التي ينقلها الإماميّة الدالّة على المسح ، فلا بدّ من التماس المرجّحات السنديّة والدلاليّة فيما بينها ، وكلّ طائفة تدّعي الترجيح ولو فرضنا تعادلها من جميع الجهات ، فيطرحان ويرجع إلى كتاب الله تعالى ، وقد تقدّم أنّه يدلّ على المسح دون الغسل. هذا موجز الكلام في المقام والتفصيل يطلب من الفقه وغيره.
والحقّ أنّ الآية المباركة هي بعيدة عن تلك الوجوه والاحتمالات الواهية ، ولو عرضناها على مستقيم الطبع ـ الخالي من الشوائب ـ والذهن الصافي يأبى حمل الكلام البليغ عليها ، ويفهم من ظاهر الآية الكريمة : (أَرْجُلَكُمْ) معطوفة على ما تقدّم عليها بلا فصل ، أي : (بِرُؤُسِكُمْ) ، ويحكم بوجوب مسح الأرجل في الوضوء ، والأخبار إنّما تؤكّد هذه الجهة فقط وترشد إليها ، لا أن تضيف إلى الآية الكريمة شيئا جديدا. وقد كانت الأمة في غنى عن هذا الجدل العنيف إذا رجعوا إلى كتاب الله العزيز وطرحوا التعصّب والعناد ، ولم يصل الأمر إلى الآلوسي في تأليف كتاب في الردّ على الإماميّة والتحامل عليهم واتهامهم بالكذب وتوهينهم ، حتّى قال صاحب المنار : «إنّ في كلامه ـ أي الآلوسي ـ تحاملا على الشيعة وتكذيبا لهم في نقل وجد مثله في كتب أهل السنّة» ، مع أنّهم كانوا بحاجة إلى موضوعات أكثر أهميّة وأشدّ نفعا ، لو لا التعصب والجهل اللذان ابتلت بهما هذه الأمة فوقعت في ما