التفسير
قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ).
مادة (حرب) تدلّ على التعدّي وما يضادّ السلم والسلام من الأذى والقتل والضرر على النفس والمال ، والحرب (بالتحريك) هو أن يسلب الرجل ماله ، يقال : حربه يحربه ـ على وزن تعب ـ إذا أخذ ماله ، فهو حريب ومحروب. والمستفاد من اشتقاق هذه الكلمة أنّ الحرب أعمّ من القتل ، فتشمل الاعتداء والسلب وإزالة الأمن والإخلال بالنظام العامّ ، ولا ريب أنّ ذلك يستلزم بحسب الطبع والعادة استعمال السلاح والتهديد ، وربّما القتل وأنحاء الأذى والضرر. وقد ورد في السنّة الشريفة تفسير الآية المباركة بشهر السيف ونحوه ممّا ستعرف ، فهو إنّما يكون من باب المثال.
والمحاربة مفاعلة ، وقد ذكرنا في مواضع متعدّدة أنّ المفاعلة لا تتقوّم حقيقة معناها بطرفين كما يدعيه بعض ، بل هذه الهيئة تدلّ على صدور الفعل من شخص وإنهائه إلى آخر ، سواء صدر منه فعل أم لا.
والمحاربة مع الله تعالى بالمعنى الحقيقيّ مستحيلة ، فلا بدّ أن يكون المراد منها مخالفة أحكامه المقدّسة والاستهزاء بتعاليمه وتشريعاته ونقضها ، كما أنّ محاربة الرسول صلىاللهعليهوآله إنّما هي إبطال ولايته في الأمور التي ثبتت من جانبه عزوجل ، ويدخل فيه أذيّة أولياء الله تعالى الذين ثبتت ولايتهم من جانب الرسول صلىاللهعليهوآله بأمر من الله تعالى ، فتكون محاربة الله ورسوله معاداة الله تعالى ومخالفة أحكامه ونقضها وعدم تنفيذها وإبطال ولاية أولياء الله تعالى وإعلان مخالفتهم ومعاداتهم.
وبعبارة اخرى : تكون المحاربة مع الله ورسوله هي عدم الإذعان لدينه بعدم حفظ الحقوق وعدم إقامة تشريعاته ، والاستهزاء بشعائر الدين ومقدّساته ، فترجع المحاربة مع الرسول صلىاللهعليهوآله إلى المحاربة مع الله تعالى ، فإنّ الرسول صلىاللهعليهوآله من مظاهر الحقّ ، كما أنّ منها ولاية أولياء الله تعالى.