قوله تعالى : (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً).
بيان لبعض مصاديق محاربة الله ورسوله التي تقدّم معناها ، والفساد ضدّ الصلاح ، ومن عمل شيئا كان سببا للفساد يقال : إنّه أفسده ، والسعي فسادا ، أي الإفساد في الأرض ، وهو ما كان سببا للإخلال بالنظام العامّ وإزالة الأمن والأمان ، فيدخل فيه قطع الطرق وقتل الناس ظلما وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء في المقام ، ويرجع كلّ ذلك إلى عدم الإذعان بدين الله تعالى وتضييع الحقوق ، فيتلازم الوصفان ، ومن ذلك يعرف أنّه لا يكفي مجرّد المحاربة مع المسلمين إذا لم نرجع إلى ما ذكر. ويدلّ عليه أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله لم ينفّذ في المحاربين من الكفّار بعد الظهور عليهم والظفر بهم حدّ المحارب عليهم ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).
بيان لحدّ المحاربة وجزائه. والجملة خبر المبتدأ في قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ). والتقتيل والتصليب والتقطيع ، تفعيل من القتل والصلب والقطع ، الدالّة على زيادة في المعنى المجرّد. ولعلّها إما لأجل الزيادة على القصاص ، لأنّه حدّ شرعيّ وحقّ إلهيّ ، لا يسقط بعفو الولي ، أو لأجل التكثير والمبالغة في القتل باعتبار الأفراد ، لأنّهم سعوا في الأرض فسادا ، والصلب قتلة مؤذية ، والكلمة مشتقّة من الصلب (بالتحريك). والصليب بمعنى الودك (الدهن) أو الصديد الذي يخرج من بدن الميت. والهيئة التي تشبه المصلوب تسمّى صليبا.
وقطع الأيدي والأرجل من خلاف ، أي : تقطع مختلفة ، بمعنى إذا قطعت اليد اليمنى تقطع الرجل اليسرى. وصيغة التفعيل في هذا النوع أظهر. والمراد بقطعها ، قطع بعضها دون الجميع ، أي : إحدى اليدين وإحدى الرجلين مع مراعاة الاختلاف في الجانب.
وأما النفي من الأرض ، فهو بمعنى الطرد من البلد إلى بلد آخر ، وهو مضافا إلى أنّه عقاب ظاهرا ، هو عملية إصلاحية تأديبيّة. وقيل : إنّ المراد بالنفي هو