وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [سورة هود ـ ٨٥].
ومن ذلك يعلم أنّ ما ورد في السنّة الشريفة إنّما هو من باب المثال ، كقطع الطريق وإخافة الناس وإزاحة الأمن والأمان والسلب والنهب والإخلال بالنظام.
والظاهر من الآيات الشريفة الواردة في مواضع متفرّقة أنّ الفساد في الأرض من مظاهر محاربة الله ورسوله ، بل هما متلازمان ، فإذا اطلق أحدهما يراد به الآخر أيضا.
الثالث : يستفاد من قوله تعالى : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) ، أنّ المحاربة على مراتب ودرجات ، لكلّ مرتبة منها حدّ خاصّ موكول إلى نظر الإمام العادل المخالف لهواه في تشخيصه ، ويدلّ على ما ذكرناه بعض الروايات.
والمستفاد من الآية المباركة أنّ المناط في إجراء الحدّ ليس مجرّد القتل والصلب وغيرهما ، بل الغرض هو تطهير الامّة منهم وتهذيب نفوس الأشرار ، فيحتاج إلى مزيد عناية في القتل والصلب والقطع بأن يكون كلّ واحد من الأربعة عملية إصلاحية تربويّة ، فيكون تقتيلا مع شدّة ليكون ردعا للغير وإصلاحا للامة ، وكذا الصلب والقطع.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، على أنّ الحدّ والخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة إنّما يكون خاصّا بهم لا يتعدّاهم إلى غيرهم ، الذين قد يتّفق أن يكون عملهم عمل المحارب ، ما لم ينطبق عليهم عنوان المحاربين ، كما يدلّ على أنّ العذاب في الآخرة يكون عظيما بقدر تأثير فسادهم وإفسادهم ، وذلك قد يلازم الخلود كما فصّلناه سابقا.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) على عدم المطالبة بشيء من الجزاء السابق لمن تاب من المحاربين قبل القدرة عليه ، والتصدير بجملة : «فاعلموا» ، للدلالة على تحقّق الغفران وثبوته فوق كلّ شيء من العواطف والأهواء والنزعات ، وتقدّم الكلام في نظير هذه الآية الشريفة في سورة البقرة فراجع.