بحث روائي :
في التهذيب للشيخ بإسناده عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله قوم من بني ضبّة مرضى ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : أقيموا عندي ، فإذا برأتم بعثتكم في سرية ، فقالوا : أخرجنا من المدينة ، فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبو الها ويأكلون من ألبانها ، فلما برأوا واشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كان في الإبل ، فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله فبعث إليهم عليّا عليهالسلام ، وإذا هم في واد قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريبا من أرض اليمن ، فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله ، فنزلت الآية : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ).
أقول : وقريب منه ما في الكافي. وأكل اللبن محمول على أكل الأقط المتّخذ من اللبن.
وذكر السيوطي في الدرّ المنثور روايات تدلّ على أنّ القوم من بني عرينة أو عكل ، وسمل رسول الله صلىاللهعليهوآله أعينهم لأنّهم سملوا أعين الرعاة ، وفي بعضها نهي عن سمل الأعين بعد ذلك ، ولم يرد في رواياتنا سمل الأعين على ما تفحّصت عاجلا ، لأنّ ذلك من المثلة ، وقد نهى النبيّ صلىاللهعليهوآله عنها.
وكيف كان يستفاد من هذه الرواية وأمثالها أمور :
الأوّل : أنّ الخيانة والغدر والإفساد مرفوضة في الشرع بجميع وجوهها ، ولا بدّ من التصدّي لمنعها بكلّ السبل.
الثاني : أنّ جزاء الخيانة لا بدّ أن لا يتعدّاها ، لقاعدة المثليّة في العقوبات ، وقد تكون الخيانة عظيمة والغدر كبيرا ، فجزاؤهما يكون كذلك.
الثالث : أنّ الجزاء المترتّب على الخيانة المعبّر عنه في الشرع بالحدّ أو التعزير أو القصاص والنفي ، لا بدّ أن يكون تحت إشراف ولي الأمر ، سواء كان نبيّا أو نائبا عنه ، كالفقيه الجامع للشرائط ، ولا يستلزم إراقة الدماء وهدرها بلا مبرر ، لأنّه