وتحقيقا للهداية والموعظة التي ما برح القرآن الكريم عنهما بأساليب متعدّدة متميّزة لا تبلى جدّتها ولا تملّ قراءتها ، فإنّ كلّ أسلوب منها يتضمّن من الأمور البلاغيّة الأدبيّة ، ويتخلّله من أسماء الله وصفاته العليا ، ويشتمل على المعارف والتوجيهات وطلب تقواه تعالى والتوجّه إليه والإخلاص له ، ما يجعل الكلام محبّبا للنفوس ، ولذلك ترى أنّ القرآن وإن اشتمل على أهداف معينة وأغراض معلومة قد ذكرت في مواضع متعدّدة ، لكنّها ليست من التكرار المملّ ، وهذا من معاجز هذا الكتاب العظيم.
التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ).
بيان لأحد الكمالات الواقعيّة التي لا بدّ من السعي إليها ، وتقدّم الكلام في هذا النداء الربوبيّ الذي يتضمّن من اللطف والتذكير والموعظة ما لا يتضمّنه أي خطاب آخر ، وقد أمر تعالى المؤمنين بالتقوى لما لها الأثر العظيم في تهذيب النفوس وتكميلها بالكمالات الواقعيّة وإزالة الموانع والحجب وما يوجب سخطه عزوجل ، فيكون ترتّب ما يأتي على هذا الحكم كترتّب المعلول على العلّة التامّة.
قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).
مادة (وسل) تدلّ على التقرّب والتوصّل إلى أمر بشيء. يقال : وسل إلى كذا ، أي : تقرّب إليه بشيء ، والوسيلة فعيلة بمعنى ما يتقرّب به إلى الله تعالى ويتوصّل إليه عزوجل ، من ترك المعاصي وفعل الطاعات مع الرغبة إلى من يتقرّب إليه وما يتقرّب به ، وقال الراغب : إنّها أخصّ من الوصيلة ، لتضمّنها معنى الرغبة ، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرّي مكارم الشريعة.
أقول : لا ريب أنّ التقرّب إليه تعالى والتوسّل به إلى ثوابه والزلفى منه ، إنّما