واستعمال الجمع (أيديهما) مع أنّ المراد منه التثنية ، إما لأجل ما قيل من أنّه استعمال شائع في أعضاء الإنسان المزدوجة ، كالقرنين والأذنين واليدين والرجلين والقدمين ، فكلّ شيء يوجد في الإنسان إذا أضيف إلى مثنى جمع ، تقول : أشبعت بطونهما وهشّمت رؤوسهما ، قال تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [سورة التحريم ، الآية : ٤].
أو لأجل أنّ كلّ مفرد إذا أردت به التثنية قد يجمع ، كما حكي : وضعا رحالهما ، يريد به رحلي راحلتيهما ، وقيل غير ذلك.
والظاهر أنّ الآية الشريفة ترمز إلى معنى أدق من تلك ، وهو أنّ الموضوع لما كان من الأمور الاجتماعيّة التي تضرّ بالاجتماع ويفسد أخلاق أفراد المجتمع ، فإذا قام أحد منهم بالسرقة فالمجتمع هو المسؤول عن تقويمه وتهذيبه ، وإلّا كانوا مقصّرين ، يشترك كلّ واحد من أفراده في هدم كيان المجتمع ، ولعلّه لذلك استعمل لفظ الجمع لإلقاء المسؤوليّة على المجتمع في الحفظ والتربية والإصلاح.
وكيف كان ، فالمخاطب في قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا) من له أهليّة إقامة الحدود ، كالأنبياء والأوصياء وحكّام الشرع المبين ، فليس لكلّ أحد إقامة الحدّ ، إلّا إذا رجع إليهم وأذنوا له بإقامة الحدّ. والتصريح بأنّ الحدّ يشترك فيه الرجال والنساء كما في حدّ الزنا ، لأنّ كلّ واحد من الذنبين يقع من كلّ منهما ، فأراد الله تعالى زجرهما معا والتأكيد على قبحه ، وإن كانت النساء تشترك مع الرجال في الأحكام. وإنّما قدّم السارق في آية السرقة ، وقدّم الزانية في آية الزنا ، لأنّ السرقة في الرجال أشيع منها في النساء ، لأنّها مبنيّة على القوّة ، وهي في الرجال أكثر ، كما أنّ الزنا في النساء أشيع منه في الرجال ، لأنّه مبنيّ على الشهوة ، وهي في النساء أشدّ.
قوله تعالى : (جَزاءً بِما كَسَبا).
تعليل لما سبق ، وهو منصوب إما لكونه مفعولا لأجله. أو حالا من القطع الفهوم من قوله سبحانه (فَاقْطَعُوا). والباء للسببية ، أي : فاقطعوا أيديهما جزاء