لهما بعملهما الشنيع وكسبهما السيء ، وإنّما ذكر الكسب لبيان أنّ السرقة إنّما تباشر بالأيدي فتقطعان لما باشراه من الكسب.
قوله تعالى : (نَكالاً مِنَ اللهِ).
مادة (نكل) تدلّ على الحجز والمنع ، واستعملت في العقوبة لأنّها تمنع الناس عن الذنب ، ومنه النّكل (بالكسر) لقيد الدابة.
ولا ريب في أنّ قطع اليد من أجدر العقوبات لمنع السرقة ، فإنّه يفضح صاحبه وتكون علامة من علامات الذلّ والعار ، ليكون منعا له عن ارتكاب الجرم ، وعبرة يعتبر بها غيره من الناس فيكونوا في مأمن من أموالهم وأرواحهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
أي : والله غالب على أمره لا يقهره أحد ، حكيم في أفعاله وتشريعاته.
قوله تعالى : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ).
تفريع على ما ذكره عزوجل من كون الحدّ جزاء بما كسبا ونكالا ، فإنّ الهدف من تشريعه هو المنع من السرقة ورجوع المنكول به عن معصيته. فمن تاب من السرّاق من بعد ظلمه على نفسه وعلى الآخرين ، ورجع عن ذنبه رجوع ندم على ما فعل ، وعزم على الترك ، وأصلح نفسه بالتزكية ، وأرجع ما سرقه إلى أصحابه ، وتفصى من تبعاته ، وقد عرفت في بحث التوبة أنّ ما اجتمع فيه حقّ الله تعالى وحقّ الناس لا تتمّ التوبة إلّا بأداء الحقّين ، ويكفي في حقّ الله تعالى الندم والعزم على الترك. وأما حقّ الناس فيعتبر فيه الإصلاح ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، ففي السرقة يجب ردّ المسروق إلى مالكه والاسترضاء منه.
قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ).
أي : يقبل الله تعالى توبته ، فلا يؤاخذه بالجريرة ويغفر له ويسقط عنه العذاب. وإطلاق الآية الشريفة يقتضي سقوط الحدّ عنه ، كما يدلّ عليه بعض الروايات أيضا.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
تعليل لما سبق ، أي : أنّ ذلك من مقتضى رحمته ، وهو الغفور الرحيم ، والآية