يدلّ على أنّ الوسيلة هي أعلى درجة في الجنّة ، فاجتمعت العلّتان الفاعليّة والغائيّة في هذا الأمر ، وهو يدلّ على أنّه من الأهميّة بمكان عظيم ، فإنّ فيه تظهر العبوديّة وتتحقّق الطاعة المطلوبة ، وهو الطريق الموصل إلى الله تعالى والصراط المستقيم ، وبه يستعدّ ويتهيّأ لنيل الفيوضات الربانيّة والواردات الإلهيّة ، وهو الملجأ القويم في التخلّص من مكائد الشيطان ووساوسه ، وهو المنجاة من سخط الله تعالى وعذابه ، وهو الركن الوثيق الذي تركن إليه النفس الإنسانيّة عند تزاحم الصوارف وتوارد الهموم والغموم. وبالجملة : فهو الكمال الذي ينشده الإنسان ويسعى إليه ، بل هو الجامع لجملة من الكمالات الواقعيّة.
ولم يبيّن عزوجل في هذه الآية الشريفة كيفيّة الابتغاء ، ولا خصوصيات الوسيلة ، ولعلّ السرّ في ذلك واضح ، فإنّ فطرة كلّ مخلوق تدعو إلى التوجّه إلى خالقه والتوسّل إليه بكلّ ما أمكنه من الوسائل والعلل لنيل مقصوده ، فكلّما صفت الفطرة وخلصت النية من الشواغل الماديّة والصوارف الشيطانيّة ، كانت الوسيلة أنجح وأدلّ على المطلوب ، وقد ذكر في الكتاب والسنّة التأكيد على بعض الوسائل ، منها : العبادات ، وأعظمها الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر. قال عزوجل من قائل : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [سورة البقرة ، الآية : ٤٥].
ومنها : الدعاء الذي هو من أعظم الوسائل إليه عزوجل ، قال تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) [سورة الفرقان ، الآية : ٧٧] ، وفي الحديث : «الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض» ، وتقدّم في بحث الدعاء ما يتعلّق به.
ومنها : الصدقات الواجبة والمندوبة ، ماليّة كانت أو غيرها ، التي حثّ الشرع المبين وأكّد عليها تأكيدا بليغا. قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٤٥] ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [سورة البقرة ، الآية : ٢١٧].