لأجله ، وهو بيان العهود والمواثيق المأخوذة عليه والإيمان المطلوب منه ، والحثّ على العمل بها والتحذير عن مخالفتها ، وقد ذكر عزوجل فيما سبق السبل الموصلة إلى الحقّ والطرق المفضية إلى العمل بالشريعة ، واعتبر أنّ من يعرض عنها يكون كافرا منكرا للحقّ ، فلا ينفعه ما يفديه للنجاة من العذاب الأليم الذي أعدّه لنفسه ، وفي هذه الآيات يذكر تعالى الأصناف الذين زاغوا عن الإيمان وتمادوا في الغي ، فأنكروا الحقّ ونكثوا عهود الله ومواثيقه ، فذكر تعالى المنافقين الذين يؤمنون بأفواههم خوفا أو طمعا ولم تؤمن قلوبهم ، كما حكى عزوجل عنهم في آيات اخرى. ثمّ ذكر اليهود الذين كفروا بالحقّ وأعرضوا عن الطاعة وخالفوا أوامر الله تعالى ، فذكر من صفاتهم ما يدلّ على تماديهم في الغي ، منها : أنّهم سماّعون للكذب يتّبعونه ولا يتّبعون الحقّ. ومنها : تحريفهم لكلام الله تعالى بما تمليه أهواؤهم ، ومنها : أكلهم للسحت وارتكابهم لجميع المحرّمات. وقد حذّرهم عزوجل وأوعدهم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة. ثمّ أمر نبيّه الكريم بالإعراض عنهم ، فإنّهم قوم لا خلاق لهم ، ووعده صلىاللهعليهوآله بالنصر ، وأمره بالحكم بينهم بالقسط إذا تحاكموا إليه. ثمّ بين عزوجل حقيقة حالهم بأنّهم كابروا الحقّ بعد ما عرفوه ، فلم يحكموك إلّا بما يكون فيه نفعهم ، وقد ردّهم عزوجل بأنّ عندهم التوراة التي أنزلها الله تعالى لهدايتهم ، وفيها من الأحكام والمواثيق والتوجيهات التي حكم بها النبيّون والربانيّون والأحبار الذين حفظوا حدودها وعملوا بها وكانوا شهداء على صحّتها وعدم تحريفها. ثمّ أمر عزوجل المؤمنين بعدم الخشية من اليهود الذين نصبوا العداء للحقّ ، وأنّ الخشية إنّما تكون من الله تعالى فقط. وأخيرا ذكر تعالى من أحكام التوراة التي دخلت في جميع الشرائع الإلهيّة واعتبرها الإسلام من القواعد المهمّة في تنظيم النظام. ثمّ ختم تعالى الآيات الشريفة بذكر أهل الإنجيل الذي فيه هدى ونور ، وهو المصدق لما ورد في التوراة من الأحكام والإرشادات الربانيّة والتوجيهات الإلهيّة ، فأمرهم سبحانه وتعالى بالعمل بحكم الله ، ومن لم يحكم بما أنزله الله تعالى فأولئك هم الفاسقون ، والآيات جميعها تهدف إلى تثبيت أحكام الله التي نزلت في سبيل سعادة الإنسان وتنظيم النظام على أحسن ما يرام.