التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ).
تسلية للرسول الكريم وتطييب لنفسه الشريفة ممّا لاقاه صلىاللهعليهوآله من المنافقين الذين يسارعون في الكفر ، والذين هادوا ، والخطاب بالرسالة فيه غاية التشريف والقرب ، ولم يرد مثل هذا الخطاب في القرآن الكريم إلّا في موردين كلاهما في هذه السورة ، أحدهما المقام ، والثاني قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [سورة المائدة ، الآية : ٦٧] ، وهو يدلّ على عظمة الأمر وأهميّته عند الرسول صلىاللهعليهوآله. وله الأثر العميق في نفسه الشريفة ، فيكون هذا الخطاب تسلية له ، وفيه ما يوجب عدم الحزن والخوف.
وأما خطاب (يا أيها النبي) فقد ورد في القرآن الكريم ما يزيد على عشرة مواضع.
وفي كلا الخطابين التعليم للمؤمنين بمراعاة الأدب في الخطاب مع الرسول صلىاللهعليهوآله والحزن ضدّ السرور ، وهو ألم في النفس يحدث عند فوت ما يحبّ. والفعل منه ما يكون متعدّيا بنفسه ، يقال : حزنه الأمر. ومنه ما يكون متعدّيا ب (على) ، يقال : حزن على ولده. ومنه ما يكون متعدّيا بالهمزة ، يقال : أحزنه موت ولده. وهو مذموم في الشرع المبين ، إلّا ما كان على شيء يوجب القرب والزلفى لديه عزوجل ، كما في حزن الرسول صلىاللهعليهوآله على الذين يسارعون في الكفر ويصدّون عن الحقّ والوصول إلى الكمال ، والحزن أمر طبيعي ومن لوازم طبيعة الإنسان ، فيكون النهي عنه في الشرع نهيا عن اللوازم الاختياريّة المترتّبة عليه ، كالجزع الشديد وعدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ونحو ذلك. والنهي عنه لا يستلزم إيجاد مقابله وهو الفرح ، فإنّه مذموم أيضا ، قال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٣] ، إلّا إذا رجع إلى ما