تفضّل الله تعالى به عليهم ، كما قال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [سورة يونس ، الآية : ٥٨].
والمسارعة هي السير الحثيث والمشية السريعة ، والمسارعة إلى الشيء غير المسارعة في الشيء ، فإنّ الاولى هي السرعة إليه من الخارج ، وأما الثانية فهي السرعة من الداخل. أي : يظهر من الأفعال والأقوال التمادي في الكفر. فتكون في كلمة (في) الدلالة على أنّهم مستقرّون في الكفر لا يبرحون عنه فينتقلون من صنف من الكفر إلى صنف آخر ، فتظهر عليهم موجبات الكفر مرّة بعد اخرى ، وفي الوصف (يسارعون في الكفر) إشعار بعلّة النهي عن الحزن ، أي : أنّ تلك المسارعة هي السبب لحزنه صلىاللهعليهوآله. والمعنى : لا يحزنك هؤلاء بسبب مسارعتهم في الكفر ، فإنّهم لم يؤمنوا حقيقة ، فإذا سنحت لهم الفرصة أظهروا الكفر. والجملة تدلّ على التسلية بأبلغ وجه ، فإنّ النهي عن أسباب الشيء ومباديه نهي عنه وقطع له عن أصله ، فليس المراد منه نهي الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإنّما النهي للكفّ عن أن يحزنوه بمسارعتهم في الكفر ، وتسلية له صلىاللهعليهوآله بعدم تأثيرهم عليه فإنّه الرسول المؤيّد والمنصور المسدّد.
قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ).
بيان للذين يسارعون في الكفر ، فإنّ مسارعتهم فيه إنّما هو لأجل عدم الإيمان حقيقة ، بل آمنوا بألسنتهم دون أن تؤمن قلوبهم ، وهذه أوصاف المنافقين الذين عانى منهم الأنبياء (سلام الله عليهم أجمعين) أشدّ معاناة ، وكان حزنه صلىاللهعليهوآله منهم شديدا ، لأنّ ضررهم على الإيمان وأهله كبير وعظيم.
قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا).
عطف على قوله : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا) ، فيكون المسارعون في الكفر على قسمين : المنافقين ، واليهود ، وعلى هذا فقوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ...) خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم سماّعون ، وذكر بعض المفسّرين أنّ الجملة (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) جملة مستأنفة تقديرها : «ومن الذين هادوا قوم سماّعون للكذب ...».