والظاهر من السياق هو الوجه الأوّل ، فإنّ الصفات التي يذكرها عزوجل فيما يأتي هي لبيان حال الطائفة الثانية من المسارعين في الكفر ، وأما المنافقون المذكورون في صدر الآية ، فإنّ حالهم لا توافق هذه الأوصاف وإن كان بعضها توافقهم. لكنّ العبرة بظاهر اللفظ ، والمنساق منه هو ما ذكرناه.
قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ).
بيان لحال الذين هادوا بذكر أوصافهم ، والجملة خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هم سماّعون ، واللام إما للتقوية كما في قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ). أو للتعليل ، أي : سماّعون الكلام ليكذبوا عليك.
والمعنى : أنّهم يكثرون من سماع الكذب ، مع العلم بأنّه كذب ، ومن داوم على سماعه كان كاذبا. ويحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ، سماّعون للكذب فيك ، كما يحتمل أن يكون المراد منه. سماّعون كلامك ليكذبوا عليك ، وقوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) قرينة على الثاني ، ولعلّ حذف المتعلّق يشمل الجميع ، فإنّهم ما رسوا كلا الكذبين.
قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ).
أي : كثير السماع سماع قبول وطاعة لقوم آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك إما خوفا أو إفراطا في البغضاء. ويحتمل أن يكون المراد منه سماّعون منك لأجلهم ، وللإنهاء إليهم ، وكلاهما محتمل فيهم ، فإنّهم قوم توغّلوا في البغضاء والعداء للحقّ وأهله ولشخص الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، كما حكى عزوجل عنهم في مواضع متفرّقة من الكتاب العزيز.
قوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ).
صفة اخرى لهم ، وقد ذكرها عزوجل في عدّة مواضع من القرآن الكريم بأساليب مختلفة حتّى عرف اليهود بأنّهم أهل التحريف.
والمراد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) ، أي : من بعد استقرار الكلم في المواضع التي وضعها الله تعالى فيها ، وهو يدلّ على زيادة في التشنيع.