الصلاة وقد جاء أحد منكم من الغائط فلم يجد ماء ، فيتيمم. وقد ذكرنا أنّ هذا الفرد بنفسه موجب للطهارة.
والآية الشريفة في غاية الأدب ومنتهى الفصاحة ، حيث كنّي فيها عمّا يستقبح ذكره بأسلوب أدبي رفيع ، وبولغ في الإبهام من دون الإضافة التي شوب التعيين رعاية لجانب الأدب.
والغائط : المكان المنخفض من الأرض ، وقد كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة تسترا عن أعين الناس وتأدّبا. وقيل : إنّه المطمئن من الأرض. وقيل : عمق الأرض الأبعد.
وكيف ما كان ، فسمّي الحال باسم المحلّ حتّى غلب استعماله في معناه المعروف ، وهو النجوّ نفسه ، كالعذرة التي هي بمعنى عتبة الدار وفنائها ، فغلب استعمالها في معناها المعروف ، وهو ما يخرج من الأسفل من بقايا الطعام ، والمراد به في المقام مطلق الحدث الأصغر الموجب للطهارة الخارج عن أحد السبيلين ، كما بيّنته السنّة الشريفة.
قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ).
كناية عن الجماع ، وهو أيضا أدب قرآني ، صونا للسان عمّا يستقبح ذكره ، وقد ذكرنا في سورة البقرة أنّ المسّ واللمس بمعنى واحد. ولعلّ التصريح به في المقام مع أنّه داخل في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) ، لبيان أحد موجبات الجنابة ، فيكون تفسيرا لها ، أو للإشعار بأنّ الأمر ممّا تقتضيه الطبيعة كسابقه ، ولكثرة وقوعها. ولكنّهما يفترقان في أنّ الأوّل حدث أصغر يوجب الوضوء ، والثاني حدث أكبر يوجب الغسل ، بخلاف المرض والسفر اللذين هما أمران اتفاقيان.
وقد استجمعت الآية الشريفة جميع الحالات الطارئة للإنسان ، الطبيعيّة منها والاتفاقيّة ، وعالجتها بأسلوب أدبي رفيع يفهمه كلّ مكلّف ، وهو من إعجاز هذا الكتاب الكريم الذي تحدّى جميع الكتب السماويّة وخضعت له الفصاحة والبلاغة.