وإطلاق التحريف يشمل اللفظيّ منه ، أي : تغيير الألفاظ وتبديل الكلام وهو يشمل الكتمان أيضا ، والمعنويّ بالتفسير بالباطل والتأويل الفاسد وحمل الكلام على غير المراد ونحو ذلك. وقد ذكرنا ما يتعلّق به في غير المقام فراجع.
قوله تعالى : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا).
في الآية الشريفة إشارة إلى واقعة ابتلى اليهود بها فحكم فيهم حكامهم بغير ما أنزله الله تعالى ، فأرسلوا طائفة إلى الرسول صلىاللهعليهوآله لتحكيمه في تلك الواقعة ، فقالوا لهم : إنّ حكم صلىاللهعليهوآله بما أفتى به حكامهم المحرّفون فليأخذوه ، وإنّ حكم بغير ذلك فليحذروا من قبوله.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً).
الفتنة الاختبار ، والجملة معترضة لبيان أنّهم في حال الاختبار في دينهم ومفتونون بفتنة إلهيّة لإظهار حالهم في الكفر والضلال ، تطييبا لنفس الرسول صلىاللهعليهوآله بأنّ الأمر يرجع منه وإليه تعالى ، فإنّك لن تستطيع أن تغيّر شيئا إذا أراد الله تعالى ذلك ، فلا موجب للتحزّن فيما لا تملك فيه سلطانا.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
أي : أنّهم بلغوا في الغي والضلال مبلغا لم تتعلّق إرادة الله تعالى أن يطهّر قلوبهم من الكفر والنفاق والخبث والضلالة ، فهي باقية على قذارتها وختم عليها بالكفر. وإنّ من سنّته تعالى أن لا يطهّر قلب من تكرّر منه العصيان ، وانغمس في الكيد والضلال ، فأضلّهم الله وما يضلّ به إلّا الفاسقين.
قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
توعيد لهم جزاء على أفعالهم الشنيعة ، فقد أذلّهم الله تعالى في الدنيا ، وكتب عليهم الجلاء من ديارهم وأظهر كذبهم وكفر المنافقين ، وأثبت الخوف في قلوبهم من المؤمنين. وأما في الآخرة فإنّ لهم العذاب العظيم الذي لا يعرف كنهه وأمره إلّا الله تعالى. والضمير في (لهم) يرجع إلى كلتا الطائفتين اليهود والمنافقين. وقيل : لليهود خاصّة ، والتكرير مع اتّحاد المرجع لزيادة التقرير والتأكيد.