قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ).
تعليل لثبوت العذاب لهم ، والإعادة إما تأكيدا ، أو تقريرا ، أو تمهيدا لما سيأتي ، أو اهتماما بشأن هذه الأوصاف والتأثير على النفس ليعرف المخاطب آثارها الوخيمة ، فيتصدّى لإصلاح حاله ، والأوصاف التي يذكرها عزوجل هي لمجموع القوم من حيث هو ، وقد يختصّ بعضهم ببعض الأوصاف ، فإنّ قوله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) وصف لليهود الموجودين حين البعثة ، الذين وصفهم عزوجل فيما سبق ، والتابعين لهم باعتبار تقليدهم لآبائهم ، فإنّ ذلك سماع للكذب أيضا ، فإنّ اليهود سماّعون للكذب بجميع معانيه من حيث الكذب على الحقّ ، والكذب على المؤمنين ، وكذب بعضهم على بعض وتقليدهم للسلف كذبا وزورا.
قوله تعالى : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ).
وصف آخر قد يكون لبعض القوم إن كان المراد من السحت الرشوة ، فإنّها كانت منتشرة في طبقة خاصّة من أحبارهم وعلمائهم كما حكى عزوجل في غير هذا الموضع من القرآن الكريم ، وإن كان المراد من السحت مطلق الحرام ، فإنّ الوصف يكون لعامّة القوم لما ذكره عزوجل في مواضع متفرّقة من القرآن العظيم من أنّهم هتكوا حرمات الله تعالى وتعاطوا المنكرات واستحلّوا المحرّمات ، وتدلّ عليه صيغة المبالغة (أكّالون) ، وقد سبق في سورة النساء بعض أوصافهم فراجع.
ومادة (سحت) تدلّ على الشدّة والهلاك. يقال : سحت الشيء يسحته ، قشره قليلا قليلا ، أي : استأصله. ومنه الحرام ، لأنّه يذهب بالطاعات ويستأصلها فيسحت دين المرء ومروءته. ومنه السحت (بالفتح) لشدّة الأكل والشرب. وأسحت الشيء استأصله ، قال تعالى : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) [سورة طه ، الآية : ٦١] ، أي : يستأصلكم بعذاب. فإذا كان السحت يشمل الحرام والكسب المحرّم ، فيكون له مصاديق متعدّدة. ولعلّ ما ورد في الحديث أنّ للسحت أنواعا كثيرة مأخوذ من هذه الآيات الشريفة ، ففي الخبر : «كلّ شيء غل من الإمام ، فهو سحت ، وأكل مال اليتيم وشبهه سحت ، والسحت أنواع كثيرة ، منها أجور الفواجر ، وثمن