عليه صلىاللهعليهوآله ضرر لو أعرض عنهم وترك الحكم فيهم ، فإنّ الله تعالى يعصمه منهم ، وفيه التنبيه على أنّه لا يكون حكمك عن خوف منهم ولا استمالة لهم.
قوله تعالى : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ).
بيان لحال الأمر الثاني ويتضمّن التعليل أيضا. أي : وإن اخترت الحكم فإنّه ينبغي أن يكون الحكم بينهم بالعدل الذي أمر الله تعالى به ، لا بما يبغون ، فإنّ الله لا يرضى أن يجري بينهم إلّا حكمه ، فإما أن تعرض فلن يضرّوك وإن ساءهم إعراضك ، وإما أن تحكم بالقسط ، وقد تقدّم معنى القسط في سورة البقرة فراجع.
قوله تعالى : (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ).
تعجيب من الله تعالى لنبيّه الكريم صلىاللهعليهوآله من حالهم ، فإنّهم امّة ذات كتاب وشريعة ، فكيف يرغبون عنهما ويتحاكمون إلى نبيّ هم منكرون لنبوّته وكتابه وشريعته ، والآية الشريفة تشير إلى أنّ ذلك التحكيم له من عندهم لم يكن لمعرفة الحقّ وتطبيق العدل ، وإنّما هو لتضعيف منزلة الرسول الكريم وطلب الأهون وإن لم يكن حكم الله تعالى.
قوله تعالى : (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ).
أي : كيف يحكمونك وعندهم ما فيه الحقّ الذي يغني عن التحكيم ثمّ يتولّون عنه من بعد ذلك التحكيم وبيان حكم الله في الواقعة ، وفي الآية التأكيد على الاستبعاد والتعجّب. ومن ذلك يعرف أنّ المراد من قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) ، أي : من بعد بيان حكم الله تعالى الموافق لكتابهم.
قوله تعالى : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).
تقرير لما سبق ، وحذف المتعلّق يدلّ على العموم ، أي فما هم بالمؤمنين لكتابهم لإعراضهم عنه ، ولا بك لأنّهم لم يرتضوا بحكمك الذي وافق ما في التوراة أيضا.
والإتيان باسم الإشارة (أولئك) قصدا إلى إحضارهم في الذهن بما وصفوا به من القبائح ، ولبيان العلّة بأنّهم تميّزوا عن غيرهم أكمل تمييز حتّى انتظموا في سلك المشاهدة.