وقيل : إنّه إخبار منه تعالى عن أولئك اليهود بأنّهم لا يؤمنون بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وبحكمه أصلا ، ولا فرق بينهما.
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ).
جملة مستأنفة تتضمّن التعليل لما ذكر في الآية السابقة ، ولبيان فظاعة حالهم ببيان علوّ شأن التوراة بأحسن وجه.
وهذه الآية وما بعدها تدلان على أنّ لكلّ امّة من الأمم الماضية شرائع وأحكاما أودعها عزوجل في كتب أنزلها إليهم ، ليهتدوا بهداها ويستضيئوا بنورها ، فيرشدوا إلى طريق الحقّ ويكتسبوا سعادة الدنيا والآخرة ، وأمر أنبياءه العظام أن يتحفّظوا عليها من التغيير والتبديل ، ويرجعوا إليها فيما اختلفوا فيه ويحكموا بها فيما شجر بينهم ويخافوا الله فيها ولا يخشوا غيره ، وأكّد على ذلك بأنواع التأكيدات وأخذ عليهم المواثيق والعهود وحذّرهم من اتّباع الهوى ومتابعة الشيطان.
والمعنى : إنّا أنزلنا التوراة فيها من الهداية التي يهتدى بها والنور الذي يستبصر به في ظلمات الجهل والضلالة ، ومن المعارف والأحكام والإرشادات والتوجيهات. والآية وإن دلّت على أنّ التوراة فيها الهداية والنور ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٤٥] ، لكنّها بالنسبة إلى القرآن الكريم فهي جزئي من جزئياته ، فإنّه المهيمن على الكتب الإلهيّة والجامع لجميع المعارف والأحكام ويقتضيه السير الاستكمالي للإنسان.
قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا).
جملة مستأنفة تبيّن فضل التوراة وسموّ رتبتها ، فإنّ فيها من المعارف والأحكام ما يمكن أن يحكم بها النبيّون الذين انقادوا لله تعالى واستسلموا لأمره ، فلا يستنكفون عن قبول شيء من أحكامه وشرائعه. والجملة تدلّ على عظم شأن النبيّين والتنويه بفضل هذه الصفة ، فإنّ الإسلام من أشرف الأوصاف لأنّه ينبئ عن معرفة الله تعالى والإخلاص له وطاعته والاستسلام لأمره بانقياد تامّ ،