وغيرهما من الحظوظ الدنيويّة ، فإنّها قليلة ومسترذلة مهما بلغت من الكثرة بالنسبة إلى ما فاتهم بمخالفة الأمر والحكم الإلهيّ ، وقد تقدّم مثل هذه الآية الشريفة في سورة البقرة أيضا فراجع.
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الآية : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) متفرّعة على قوله تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) ، بتقريب أنّ الآية تدلّ على أخذ العهد والميثاق منهم على الحفظ والعمل ، وأشهدهم عليه بأن لا يغيّروه فلا يخشوا في إظهاره غيره تعالى وتقدّس ، ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا ، واستشهد على ذلك بآيات اخرى ، كقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [سورة آل عمران ، الآية : ١٨٧] ، وقوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ* وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٠] ، وهذا المعنى وإن كان صحيحا إلّا أنّ عموم الآية يشمل اليهود وغيرهم ، فإنّ الله قد أخذ من الجميع العهد على العمل بأحكامه وتشريعاته إلّا ما أذن بتركه. وقد بيّن تعالى أنّ التوراة فيها الهداية والنور وقد عمل بها النبيّون والربّانيون والأحبار ، وأمرهم بحفظها ، فالمناط الموجود في اليهود موجود في غيرهم أيضا ، ويدلّ عليه ذيل الآية الشريفة.
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ).
تقرير لما سبق وتأكيد له وتشديد في الأمر بأبلغ وجه ، أي : كلّ من رغب عن حكم الله تعالى اتّباعا لهواه ، فأولئك هم الكافرون ، لأنّه لم يصدق بما أنزله الله تعالى ، فيكون ذلك كفرا. وفي الآية أشدّ التحذير عن الإخلال بما أنزله الله تعالى.
قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ).
بيان لبعض ما فرضه الله تعالى في التوراة قد بقيت هذه الكتابة عليهم