ترغيبا إلى العفو وحثّا على الصدقة ، فتكون الآية نظير قوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) [سورة البقرة ، الآية : ١٧٨].
والمعنى : فمن تصدّق بما ثبت له من حقّ القصاص بالعفو عن الجاني ، فهو ـ أي : العفو ـ كفّارة لذنوب المتصدّق ، والله يعفو عنه كما عفا هو عن الجاني ، ففي الحديث عن الصادق عليهالسلام : «يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح أو غيره» ، وفي النبويّ : «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه ، إلّا رفعه الله به درجة وحطّ عنه به خطيئته». ويمكن أن يستفاد من إطلاق الآية الشريفة أنّ العفو ممّن ثبت له الحقّ كفّارة عن الجاني في جنايته أيضا عند الله تعالى ، وإن لم تسقط عنه الكفّارة ظاهرا ، ولا بأس به.
قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
بيان للفرد الآخر ممّا يحقّ للمجنيّ عليه أو وليّه ، وهو عدم التصدّق بما ثبت له من الحقّ ، أي : فإن لم يتصدّق فليحكم بما أنزل الله تعالى ولا يتعدّاه ، فإنّ من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.
وممّا ذكرنا يظهر فساد جملة كثيرة ممّا قيل في تفسير هذه الآية الشريفة.
وإنّما ذكر عزوجل : (هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وفي السابق : (هُمُ الْكافِرُونَ) ، لأنّ الآية الاولى وردت لبيان عدم تصديقهم بما أنزله الله تعالى ، وهو يستلزم الكفر ، وفي المقام إنّما كان إعراضا في التطبيق على الوجه الذي أنزله الله اتّباعا للهوى بعد التصديق به ، فكان ظلما وذنبا كبيرا.
قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ).
بيان لبعض أحكام الإنجيل أثر بيان أحكام التوراة. وفي الآية الدلالة على أنّ عيسى بن مريم عليهالسلام سلك نفس المسلك الذي سار عليه الأنبياء والربّانيون والأحبار ، في الدعوة إلى الله تعالى والإسلام له والتسليم بشرائعه وتعليماته.
ومادة (قفي) تدلّ على الاتّباع ، مأخوذة من القفا ، وهو مؤخر العنق ، وتأتي متعدّية بنفسها ، نحو : قفا فلان أثر فلان ، إذا تبعه ، وبالباء إلى المفعول الثاني مثل :