أيضا ، فإنّ الكتب الإلهيّة كلّها تشترك في ذلك. والظاهر أنّ المراد من الهداية هي تلك المعارف التي تهدي إلى الاعتقاد الصحيح والإيمان الحقّ. والنور هو تلك التشريعات التي تهدي إلى تعيين الحقّ في مجال العمل ، وكلاهما يشترك في تعيين الصراط المستقيم وتمييزه عن السبل الباطلة.
قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ).
وصف ثالث للإنجيل بأنّه مصدّق لما ورد في التوراة من أحكام الله تعالى. ويستفاد منه أنّ شريعة عيسى عليهالسلام لم تكن إلّا امتدادا لشريعة موسى عليهالسلام ، وأنّ الإنجيل تابع للتوراة ويدعو إليها إلّا ما استثنى ، على ما حكاه عزوجل في القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٠]. ومن ذلك يظهر أنّه ليس من التكرار المؤكّد ، بل الآية الاولى وصف لنفس الرسول عيسى بن مريم عليهماالسلام ، فإنّه مصدّق لما جاء به من قبل موسى عليهالسلام ، والثانية وصف للإنجيل ، فإنّ ما جاء فيه إمضاء لما جاء في التوراة ، فتكون شريعتهما واحدة إلّا ما ذكره عزوجل في القرآن الكريم ، كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).
بعد بيان اشتراك الإنجيل مع التوراة في كونها هدى ونورا ، ذكر عزوجل ما يتميّز به الإنجيل ، وهو كونه هدى يهتدي به المتّقون في استكمال نفوسهم وتزيينها بالفضائل ومكارم الأخلاق ، فإنّ أكثر ما ورد في الإنجيل هو من المواعظ والحكم ، فيكون قوله تعالى : (مَوْعِظَةً) عطف تفسيريّ لقوله : (هُدىً) ، ولذا كانت شريعة موسى عليهالسلام تأسيسيّة مشتملة على دستور في الحياة ومنهج عمليّ للإنسان. وأما شريعة عيسى عليهالسلام ، فهي شريعة إمضائية تقريريّة إصلاحية أكثر اهتمامها بإصلاح النفوس من مفاسد الأخلاق بسبب انتشار الفساد الأخلاقي في اليهود ، كما حكاه عزوجل في القرآن الكريم ، وبهذا يتميّز أهل الإنجيل عن غيرهم. وممّا ذكر عزوجل المتّقين لأنّهم هم الذين يؤثّر الوعظ فيهم ، فيكون الوعظ وعظا لهم دون غيرهم.