والروايات ، وتقدّم في بحث الشفاعة بعض الكلام فراجع. كما أنّ المستفاد من قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) ، أنّ الواردات الإلهيّة وتحقيق الرابطة بين الله وعبده إنّما تكون بتطهير القلوب من درن الآثام ومفاسد الأخلاق ، ولا تحصل هذه الطهارة إلّا بالتخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل ، وأنّ التصدّي من العبد لهذا الأمر يوجب تعلّق إرادة الله تعالى في التطهير والتوفيق له ، فالآية الشريفة بمنزلة التعليل لما سبق وما يذكره عزوجل من الخزي والعذاب العظيم ، وهذه من الآيات المعدودة التي تبيّن السرّ في سلب التوفيق عن العبد وانقطاع العصمة بينه وبين الله تعالى وأنبيائه العظام ، فلا تؤثّر فيه جميع الأمور إلّا ما إذا حصل من نفس العبد ما يوجب رفع المانع منه ، وقد ذكر عزوجل جملة من الموانع العظيمة في الآيات الشريفة ، وإنّما على الأنبياء بيان سبل الهداية والتوفيق ، ثمّ الحكم عليهم بما يلائم أفعالهم إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ، فليس لهم التوسّط بينهم وبين الله تعالى في تطهير نفوسهم ورفع ما حلّ بهم من الخزي والنكال ما لم يطهروا قلوبهم من تلك الرذائل.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) ، أنّهم انهمكوا في ارتكاب المحرّمات وأكل الحرام من أيّ وجه كان ، حتّى غلب على الحلال وصار أمرا مستساغا عندهم ، ويمكن أن يستفاد من صيغة المبالغة تعدّد مصادر السحت وعدم اختصاصه بالرشوة فقط ، كما ذكره بعض. والآيات تدلّ على ذمّ الظلم والقدح في الحرام ، ومدح العدل والقسط بين الأنام.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) ، أنّ الإيمان بالتوراة وسائر الكتب الإلهيّة والرضا بما أنزله الله تعالى فيها ، من أجزاء الإيمان المطلوب ، فقد نفى عزوجل عنهم الإيمان لمّا أعرضوا عن حكم الله تعالى فيها.
الثامن : يستفاد من قوله تعالى : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) ، أنّ العلماء في جميع الأديان الإلهيّة هم حفظة كتب الله تعالى ، يجب عليهم أن يحفظوا حدودها وأحكامها ومعارفها من التضييع والتحريف على الإطلاق ، وأن يكونوا دعاة إليها