قولا وعملا. ففي الحديث : «العلماء أمناء الله في أرضه» ، فصاروا شهداء على كتاب الله تعالى ، والشهيد لا يمكن أن يخشى أحدا في شهادته ، وأنّ الخشية إنّما تكون من الله عزوجل فيما إذا خالف الميثاق الذي أخذ منه على العمل به ، فيكون قوله تعالى : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) ، بيانا لحقيقة من الحقائق الواقعيّة في مجال العمل والتطبيق للشريعة الغرّاء.
التاسع : ذكرنا في التفسير وجه التكرار في قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ـ أو ـ (الظَّالِمُونَ) ـ أو ـ (الْفاسِقُونَ) ، ونزيد هنا أنّ الآيات الثلاث استوعبت جميع الفروض التي يمكن فرضها في مجال العمل بالأحكام الإلهيّة ، ومن جملتها القضاء ، فهي تشمل عدم الحكم بما أنزل الله ، والحكم بغير ما أنزله عزوجل ، ويدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار : «الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهليّة ، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية» ، كما أنّها تشمل كلّ الوجوه في الإخلال بها واستبدالها من التغيير والزيادة والنقص والتأويل الباطل ونحو ذلك ، بلا فرق في ذلك كلّه بين أن يكون عن علم أو عن جهل ، أو كان عن إعراض ونكران للحكم الذي هو الكفر ، أو بترك الحكم لأجل تغيير ما أنزله الله تعالى وتبديله وهو الظلم ، أو بالخروج عن الحدود والقيود التي لها الأثر في تهذيب النفوس وتزكيتها ، فهو الفسق ، وقد ذكر جميع الأديان الإلهيّة في هذه الآيات لبيان أنّ ما ذكر من الحقائق الإلهيّة التي لا تختصّ بدين معين.
العاشر : يستفاد من قوله تعالى : (فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) ، أنّ الكتب الإلهيّة كلّها تشترك في هدف واحد ، وهو هداية البشر وإنارة الطريق له ، وتكشف ما أبهم عليهم من الأحكام ، كلّ بحسب لياقته واستعداده ، وتدلّ على ذلك جملة من الآيات الشريفة.