عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٧] ، فالقرآن مصدّق لما ورد فيها أنّها من عند الله تعالى ومبيّن لها ، وله حقّ التصرّف فيها بما يشاء من النسخ والتكميل ، هذا ما يمكن أن يستفاد من هذه الكلمة بمعونة القرائن المتعدّدة الواردة في مواضع متفرّقة ، وقد ذكر العلماء والمفسّرون لها معاني متعدّدة ربّما تبلغ خمسة ، والمتمعّن فيها يرى أنّها من لوازم المعنى ، وليست هي المعنى الحقيقيّ لها ، وكم لهم خلطا بين المعنى الحقيقيّ ولوازمه ، ومن هنا جاء المشترك والمترادف ، ويحقّ لنا القول إنّ كثيرا من المعاني المترادفة أو المعاني المشتركة ترجع في حاقّ الواقع إلى معنى واحد ، لكنّه مبهم في ضمن لوازم متعدّدة ، وعلى الباحث أن يستخرج ذلك المعنى منها ويجهد في ذلك ، نظرا لدقّة الموضوع ، وقد سبق منّا بعض الموارد فراجع.
قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ)
ترتّب هذا على سابقه كترتّب المعلول على العلّة التامّة ، أي : إذا كان هذا شأن القرآن ومنزلته ، وأنّه الحقّ النازل من عند الله ، فهو حقّ في موافقته مع الكتب الإلهيّة ، وحقّ فيما خالفها ، فلا بدّ أن تحكم بين الناس ـ ولا سيما أهل الكتاب ـ بما أنزل الله عليك من الأحكام والشريعة ، فإنّه الحقّ الذي لا محيص عنه ، وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ الأمر يتعلّق بالحكم بين أهل الكتاب ، وهو وإن كان صحيحا ، لكن يبعده احتياجه إلى التقدير ، أي : إن حكمت بينهم فاحكم بما أنزل الله. فإنّه عزوجل خيّره صلىاللهعليهوآله بين الحكم والإعراض عنهم في قوله تعالى : (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، ويمكن القول بأنّ ذلك كان في وقائع خاصّة ، أو قبل أن يأمره الله بالحكم بينهم بما أنزل ، فإنّه القرآن المهيمن على الكتب ، وشريعته ناسخة لجميع الشرائع ، فلا موجب لاختصاص الضمير في (بينهم) باليهود ـ كما ذكره بعضهم ـ أو بأهل الكتاب. بل الأنسب التعميم بالنسبة إلى جميع