وكيف كان ، فإنّ في تقديم (بينهم) الاعتناء بتعميم الحكم ، كما أنّ في وضع الموصول موضع الضمير ، التنبيه على علّية ما في حيز الصلة للحكم ، والترهيب عن المخالفة.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ).
أي : بعد وضوح الحقّ فلا تتبّع أهواء الكافرين والمعاندين الزائفة بالإعراض والعدول عمّا جاءك من الحقّ الذي لا مرية فيه ، ولا يجوز العدول عنه ، وذكر الحقّ للتأكيد على أنّ ما سواه باطل ، وللدلالة على كمال الاجتناب عن اتّباع الأهواء ، ونهي المعصوم عليهالسلام عن اتّباع الأهواء إما لأجل تعليم الغير ، أو لأنّ النهي لمن لا يتصوّر منه وقوع المنهي عنه جائز لا إشكال فيه.
قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً).
بيان لحقيقة من الحقائق الاجتماعيّة.
وأساس هذه الحقيقة هو اختلاف استعداد أفراد الإنسان ولياقتهم ، فإنّ الله تعالى لم يخلقهم شرعا سواء في القابلية والاستعداد والملكات ، والآية الشريفة بمنزلة التعليل لما ورد قبلها من الأمر والنهي ، وفيها التأكيد على متابعة الرسول صلىاللهعليهوآله والانقياد لحكمه بما أنزل الله تعالى ، لأنّ السابق وإن كان منهاجا وشريعة ، إلّا أنّ الذي كلّفوا به هو ما جاء به الرسول الأعظم ، فإنّه الحقّ دون غيره ممّا نسخته هذه الشريعة التي هي أكمل الشرائع وأتمّها وأجمعها ، ولا وجه لأخذ الناقص ، ولا سيما أنّ الإنسان لم يبق على واحدة ، فهو في طريق الاستكمال والترقّي. ومادة (شرع) تدلّ على السبيل الموصل إلى المطلوب ، ومنه شريعة الماء ، أي : الطريق الموصل إليه ، ومنه أيضا : ما شرعت فيه من شيء فهو شريعة ، ومنه : شرع سواء ، إذا تساوى القوم في أمر ، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم في ما يقرب من خمسة موارد ، قال تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) [سورة الجاثية ـ ١٨] ، وقال تعالى (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [سورة الشورى ، الآية : ١٣] ، والشرع مصدر ثمّ جعل اسما للطريق النهج فقيل : يشرع وشرع وشريعة ، وتطلق على المادّيات كما عرفت في شريعة الماء ، وفي المعنويّات ،