يقال : شريعة الله ، وهي الطريقة الإلهيّة الموصلة إلى الحياة الأبديّة ، وهي التي تطهّر العامل من درن المعاصي والأوساخ المعنويّة ، كما يطهّر الماء الأوساخ الظاهريّة.
وكيف كان ، فقد اختلفوا في معنى الشريعة ، والظاهر أنّ المراد منها هي الطريقة العمليّة التي تهدي الإنسان إلى إقامة دين الله تعالى ، فتختصّ بالأحكام العمليّة من الأحكام والفرائض والحدود ، وأما الدين ، فهو أوسع وأشمل من حيث يشمل جميع جوانب الحياة ، ويدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) [سورة الشورى ، الآية : ٢١] ، فإنّه عزوجل أنكر عليهم التشريع في الدين بغير إذن الله تعالى ، فكانت الشريعة حصّة خاصّة من الدين ، بها يتديّن المرء ، ولذا استعملت هذه الكلمة في خصوص تلك الأديان الإلهيّة السابقة التي شرّعت فيها أحكاما وفرائض ممّا ذكره عزوجل في قوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى ، الآية : ١٣] ، هذا ما يتعلّق بالشريعة ، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى. وأما المنهاج فأصله الطريق الواضح البيّن ، ومنه طريق نهج ، أي : بيّن واضح ، وأنهج الأمر ونهج ، إذا وضح. ومنهج الطريق ، ومنهاجه ، وقيل : هو الطريق الواضح في الحياة ، فإنّ لكلّ قوم عاداتهم وتقاليدهم وسننهم في الحياة ، ممّا لم تنسخه الشريعة ولم يردع عنها الله تعالى. والحقّ أنّ المنهاج هو الطريق الموضح للشريعة ، فيكون تابعا لها ، أى : لطريقة الهداية التي يهدي سالكها إلى الصلاح وتزكية النفوس. ومن هنا جاء في بعض الأخبار : «انّ المنهاج السنّة ، والشرعة السبيل ، وأمر كلّ شيء بالأخذ بالسبيل والسنّة» ، وهما مختلفان باختلاف استعداد البشر وأحوال الاجتماع ، والمراد من الجعل في قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا) ، الجعل التشريعيّ التابع للجعل التكوينيّ كما عرفت ، والمعنى : جعلنا لكلّ امّة من الناس شريعة ومنهاجا لا يمكن أن تتخطّاها ، والاختلاف وإن كان في الفروع والأحكام العمليّة ، ولكن الشرائع كلّها اتّفقت على أصل الدين وجوهره ، وهو المبدأ والمعاد ، أي : توحيد الله تعالى