العصمة فيه لا توجب سقوط التكاليف عنه صلىاللهعليهوآله ، فهو مختار في كلّ فعل ، إلّا أنّ العلم الذي علّمه الله تعالى يمنعه من ارتكاب السوء والفحشاء ، وقد تقدّم الكلام في ذلك فراجع.
قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ).
تطييب لنفس الرسول الكريم وإرشاد له صلىاللهعليهوآله بأن لا يحزن إذا تولّوا عن الدعوة وأعرضوا عن قبول ما أنزله الله تعالى ، فإنّهم غير معجزين الله تعالى ، وأنّ حكمه نافذ وسيحاسبهم على ما أجرموا ، والآية الشريفة تبيّن ضلالهم بعد ما بيّنت أنّهم فاسقون قد خرجوا عن طاعة الله تعالى عند ما أعرضوا عن قبول حكمه ، وفي قوله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، إيماء إلى أنّ توليهم هذا إنّما هو بتسخير إلهيّ ، لأنّهم سلبوا التوفيق عن أنفسهم بالإعراض عمّا أنزله الله تعالى ، فلا موجب للحزن عليهم بعد ما اختاروا ذلك بأنفسهم ، كما يدلّ عليه قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً. إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) [سورة الكهف ، الآية : ٦ ـ ٨] ، فإنّه يدلّ على أنّ الله إنّما خلق الدنيا وما فيها لأجل اختبار الإنسان وامتحانه في قبوله الحقّ وتمييز المحسن الذي أحسن عملا عن المسيء الذي أساء في عمله ، فهو الذي يختار أحد الطريقين ، وقد بعث الله تعالى الأنبياء والمرسلين مبشّرين ومنذرين ، لينيروا لهم الطريق ، فلا موجب للحزن عليهم ، وإنّما ذكر عزوجل : (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ، وهو ذنب التولّي والإعراض الذي هو ذنب عظيم ، إيذانا بأنّ لهم ذنوبا ، فهذا واحد من جملتها ، وإيماء بتغليظ العقاب ، فإنّه يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم ، أيّ بعض كان ، فيهلكوا أو تسوء عاقبتهم ، فيكون الإبهام لتعظيم ذنب التولّي. وفي الآية الإشارة أيضا إلى كمال لطفه بعباده ، بأنّه لا يأخذهم بجميع ذنوبهم دفعة وحدة.
قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ).
تعليل لما سبق ، أي : أنّ الله تعالى إنّما أضلّهم ويصيبهم ببعض ذنوبهم ، لأنّهم فسقوا عن أمر ربّهم وأعرضوا عن قبول ما أنزله الله ، وفيه التسلية للنبيّ صلىاللهعليهوآله عن