امتناع القوم من الإقرار بنبوّته صلىاللهعليهوآله وإعراضهم عن قبول الحقّ ، فإنّ أهل الإيمان قليل وأهل الفسق كثير ، فلا ينبغي أن يحزن ويعظم ذلك عنده ، كما عرفت.
قوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
إنكار وتوبيخ وتعجيب من حالهم ، فإنّ التولّي عن حكم الله عجيب ، وطلب حكم الجاهلية أقبح وأعجب ، وفيه إشارة إلى أنّه ليس وراء ما أنزله الله تعالى إلّا حكم الجاهلية ، فإذا تولّوا عن حكم الله عزوجل فليس هناك إلّا حكم الجاهليّة الذي يبتني على اتّباع الهوى ومتابعة النفس الأمّارة ، ويستفاد من الآية الشريفة أنّهم يعلمون أنّ ما أنزل الله تعالى هو الحقّ ، فإذا تولّوا عنه فإنّما يبغون حكم الجاهلية وهذا شيء عجيب ، ولذا جاءت الجملة تفريعا على ما سبق بنحو الاستفهام ، وقد تقدّم الكلام في مادة (بغى) التي تدلّ على الطلب ، كما أنّ المراد من الجاهليّة هي كلّ ملّة باطلة وحكم جائر ، الذي يكون منشأها العناد واللجاج والإعراض عن الحكم الحقّ ، اتّباعا للهوى. وقد ورد في الحديث : «انّ الحكم حكمان ، حكم الله ، وحكم الجاهليّة» ، كما ستعرف.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً).
إنكار لأن يكون أحد حكمه أحسن من حكمه عزوجل ، فلا أحد أحسن حكما من الله تعالى ، ولا ريب في أنّه لا يتبع حكم إلّا لحسنه.
وإنّما اطلق الحسن ، لأنّ حكم الله تعالى يجمع حسن الدنيا والآخرة ، ويجتمع فيه جميع أنحائه.
قوله تعالى : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).
تقرير لما سبق ، واللام إما بمعنى عند ، أو للبيان متعلقة بمحذوف كما في (هَيْتَ لَكَ) [سورة يوسف ، الآية : ٢٣] ، «وسقيا لك» ، أي : إنّما يتبيّن حسن الأحكام وقبحها لقوم يؤمنون ويتدبّرون الأمور ، وأما غيرهم فلا يعلمون ذلك. وإنّما أخذ عزوجل صفة اليقين للإعلام بأنّهم لو صدقوا في دعواهم الإيمان بالله تعالى ، فلا بدّ أن يذعنوا لأحكامه وآياته ولا يبغوا غيرها ، وينكروا بأن يكون أحد حكمه أحسن من حكم الله عزوجل.