شأنه في الآيات الكريمة التالية ، ومن سرد تلك الحكم في المقام يستفاد أهميّة تلك الأحكام وعظيم أثرها في تهذيب النفس وتزكيتها.
وأسلوب الآية الشريفة يدلّ على نفي جعل وتشريع كل الأحكام الإلهيّة التي يراد بها الحرج على المؤمنين ، فإنّ نفي الإرادة أبلغ من نفي الفعل وأشدّ في تأكيده ، كما عرفت في نظائر هذا الأسلوب في الآيات المباركة السابقة ، وتؤكّد ذلك أيضا دخول «من» الجارّة على مفعول «ما يريد» ، فتكون بيانيّة لا زائدة ، كما زعمه بعضهم.
ويدلّ على ما ذكرناه أيضا قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) الدالّ على نفي الحرج في ملاكات الأحكام مطلقا ، فإنّها شرّعت لأجل مصالح وحكم واقعيّة ، لا لغرض الحرج والمشقّة.
وإطلاق الآية الشريفة يشمل نفي كلّ حرج ، سواء كان في التكاليف الأوليّة ، أو التكاليف الثانويّة ، فإنّه إذا عرض ما يوجب الحرج والمشقّة اتفاقا في حكم ، فإنّه ينتقل إلى البدل فيه إن كان ممّا له بدل ـ كما في الصوم وغيره من التكاليف غالبا ـ وإلّا فيسقط الحكم رأسا في تلك الأفراد الحرجيّة ، ولا يسقط غيرها.
والحرج : هو الضيق والمشقّة ، قال تعالى : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) [سورة النساء ، الآية : ٦٥] ، وقال سبحانه وتعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج ، الآية : ٧٨].
والمعنى : لم يكلّف الله تبارك وتعالى المؤمنين بتحصيل الطهارة المائيّة على وجه يستلزم الحرج والمشقّة عليهم ، إما بإتلاف مال أو بالتغرير بالنفس أو الضرر عليها ونحو ذلك ممّا فيه كلفة عليهم ، فإنّه ينتقل إلى البدل وهو الطهارة الترابيّة ، فقد كلّفهم بها بما لم يستلزم المشقّة والحرج أيضا ، وإلّا فيسقط الحكم رأسا ، كما هو مذكور الفقه ، فإنّ الله تعالى ما يريد من الأمر بالطهارة المائيّة ثمّ الترابيّة إلّا التوسعة على المؤمنين ، لا الحرج والمشقّة ، وسيأتي في البحث الروائي نقل بعض الروايات.