وقوله تعالى : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ، استئناف مسوق للتعليل لاستباق الخيرات بما فيه الوعد والوعيد ، و (جميعا) حال من الضمير المجرور.
وقوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، قيل : إنّه عطف على الكتاب ، والتقدير : (وأنزلنا إليك الكتاب وقولنا احكم ، وقيل : إنّها عطف على الحقّ ، ولا حاجة إلى تقدير القول. وقيل : إنّها جملة مستأنفة اسميّة ، بتقدير مبتدأ ، أي : وأمرنا أن احكم. والحقّ : إنّها جملة مستأنفة تفيد التأكيد على تثبيت حكم الله تعالى واتّباع الكتاب والحكم بما ورد فيه.
والفاء في قوله تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) للعطف على مقدّر يقتضيه المقام ، أي : يتولّون عن قبول حكمك بما أنزل الله إليك ، فيبغون حكم الجاهليّة ، وقيل : محلّ الهمزة بعد الفاء ، وإنّما قدّمت لأنّ لها الصدارة ، وتقديم المفعول (حكم) للتخصيص المفيد لتأكيد الإنكار والتعجّب ، والمشهور أنّ (أفحكم) مبتدأ و (يبغون) خبره ، والعائد محذوف. وقيل : الخبر محذوف والمذكور صفته ، أي : حكم يبغون ، ولكن استضعف حذف العائد من الخبر. وأجيب عن ذلك بأنّه جاء الحذف منه كما جاء الحذف من الصفة والصلة.
وكيف كان ، فإنّ في الآيات موارد من الالتفات يظهر للمتمعّن فيها.
بحث دلالي :
تدلّ الآيات الشريفة على اُمور :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) ، على شرف القرآن الكريم وعظيم منزلته وفضله على جميع الكتب الإلهيّة ، فقد تشرّف هذا الكتاب وتعظّم بالنزول من عنده عزوجل ، فقال تعالى (وَأَنْزَلْنا) ، وقد ذكرنا في المباحث السابقة أنّ كلّ مورد كان فيه نوع اهتمام وأراد عزوجل إظهار القدرة والمهابة والعظمة فيه أسنده إليه بنون العظمة كما في المقام ، ثمّ أسنده إلى الرسول الكريم