معيّنا ينهجه في حياته العمليّة ، والظاهر أنّ الشرعة والمنهاج يشيران إلى ما تقوم به حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة والدنيويّة والاخرويّة ، فإنّ سعادته لا تتحقّق إلّا بتطبيقها على الوجه المطلوب.
ويستفاد من الآية الشريفة أنّ للكمال درجات متفاوتة لا يقتصر على طائفة معينة ونوع خاصّ وأمر معيّن ، فلا كمال إلّا وفوقه كمال آخر حتّى يصل إلى الكمال المطلق ، وهو الله تعالى الذي لا كمال فوقه أبدا ، وأنّ الله عزوجل قادر على أن يجعل الإنسان امّة واحدة تقتصر على كمال معيّن خاصّ لا ترى سعادتها إلّا في الوصول إلى ذلك الكمال المعيّن ، كما بالنسبة إلى الحيوانات ، فإنّها لا ترى سعادتها إلّا في درك تلك اللذّة الوقتيّة ، ثمّ بعد الوصول إليها تبقى جامدة حتّى تعود إليها الغريزة مرّة اخرى ، بخلاف الإنسان فإنّه يختلف في خلقه وتركيبه عن سائر المخلوقات ، ففيه استعداد كبير في نيل الكمالات ، فإذا وصل إلى كمال استعدّ إلى نيل كمال آخر ، ولا يحدّه عن ذلك إلّا الحوادث الكونيّة وصوارف الدهر. وكمال كلّ فرد بحسب استعداده اللائق به ، فهذه الآية الشريفة من أعظم الآيات التي تبيّن حقيقة الإنسان من حيث حياته العمليّة ، وهي من أهمّ الآيات التي تبني أهمّ أسس علم الاجتماع ، وعلى علماء هذا العلم دراسة هذه الآية الكريمة بدقّة وتمعّن ، فإنّ فيها كنوزا ، ويفتح منها أبواب من العلوم والمعارف.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، على أنّ الكمال الذي يسعد الإنسان إنّما يكون في الخيرات ، فلا بدّ أن تكون غاية سعيه ومجده في هذه الحياة. وهي الغاية الحميدة التي لا بدّ أن يتسابق إليها ، لأنّها الجامعة لجميع الكمالات. وإطلاق الآية يشمل كلّ خير. وقد ذكر عزوجل في القرآن الكريم مصاديق مختلفة للخير في مواضع متفرّقة ، وهي تشمل جميع الأحكام الشرعيّة والفضائل والمكارم وغيرها من الأمور التي لها المدخليّة في سعادته.
وهو يدلّ أيضا على أنّ اختلاف الشرائع لا بدّ أن يكون سببا للتنافس في الخيرات ، لا سببا للعداوة والبغضاء ، كما أنّه يدلّ على حرية الإرادة في الإنسان.