ويستفاد منه أنّ غير ذلك هو ممّا لم ينزله الله تعالى ، فيكون حكما جاهليا. وهو يشمل الحكم بالجواز عالما به أو غير عالم ، والحكم بالحق مع الجهل به ، والثلاثة حكم الجاهليّة الذي أنكره عزوجل غاية الإنكار في قوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ).
ولعلّ ما ورد في الروايات من أنّ الحكم حكمان : حكم الله وحكم الجاهليّة ، وما ورد في تقسيم الحكم والقضاة إلى أربعة ـ كما عرفت سابقا ـ كلّ ذلك مأخوذ من هذه الآيات الشريفة.
وفي القاضي ذكر عزوجل : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) ، وهو يدلّ على وجوب الحكم بالحقّ الذي يثبت بالطرق الشرعيّة المعروفة ، فلا يجوز اتّباع الهوى الذي هو خارج عن الطرق الشرعيّة ، ويشمل ذلك جميع ما ورد في آداب القاضي والقضاوة في الإسلام. منها : وجوب الإنصاف والإنصات والتسوية بين الخصوم ونحو ذلك. وأما الميل القلبي مع الحكم بين الخصوم بالحقّ ، فالآية الشريفة لا تشمله وإن دلّت بعض الروايات على كراهته أيضا ، بل وحرّمته في بعض الموارد.
وبيّن سبحانه وتعالى أنّ عدم الحكم بما أنزله الله يجعل القاضي كافرا أو ظالما أو فاسقا ، وفي المقضي له أو عليه فقد ذكر عزوجل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ، وقال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) ، فإنّه يدلّ على لزوم مراعاة الحكم ووجوب الإذعان للحكم ، فإنّه الحقّ الذي ينبغي اتباعه وإلّا كان ظالما لنفسه فيصيبه الله بذنبه ، بل يدلّ قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، أنّ اليقين في الأحكام الربوبيّة من مقامات العبوديّة.
بحث عرفاني :
إنّ السلوك إلى الله تعالى والطريق إليه عزوجل له مظاهر مختلفة وسبل