قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ).
حكمة اخرى ، أي : إنّما يريد الله تعالى ـ من الوضوء والغسل والتيمّم ـ تطهيركم ، فاللام تكون للتعليل. والجملة مفعول (يريد) المحذوف. وذكر الرضي أنّ اللام زائدة ، و (يطهّركم) مفعول بتقدير (أن) بعد اللام ، كما هو الشأن في نظائر المقام ، قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [سورة النساء ، الآية : ٢٦].
وكيف ما كان ، فإنّ إطلاق الطهارة يشمل الطهارة المعنويّة الحاصلة من رفع الحدث بأحد تلك الأسباب الثلاثة التي يشترط الصلاة بها ، والنظافة الظاهريّة من الدرن والأوساخ. وأما الطهارة من الخبث ، فإنّها قد تحصل بالعرض ، فلا تدلّ الآية المباركة عليها.
ويستفاد من الآية الكريمة أنّ الشرط في القيام إلى الصلاة هو الطهارة ، فلو كان متطهّرا لا يجب عليه الإتيان بعمل الطهارة عند القيام إليها مرّة اخرى.
قوله تعالى : (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ).
الإعراب فيه كما ذكرناه في الجملة المتقدّمة ، وسبق الكلام في معنى النعمة وإتمامها في قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) ، والمراد بالنعمة في المقام تلك الأحكام والتوجيهات والمعارف التي نزلت لتكميل الإنسان وإرشاده إلى سعادته في الدارين ، ومنها تلك التي ذكرت آنفا التي يستلزم العمل بها الدخول في ولاية الله تعالى ، الذي هو المقصد الأسنى في خلق الإنسان.
وإطلاق الآية الشريفة يشمل النعمة التي أرادها الله تعالى للمؤمنين ، وهي طهارة النفوس من درن الذنوب وآثارها وتزكيتها ، التي هي غاية خاصّة لتشريع الطهارات الثلاث ، ونعمة الدين الذي هو مجموعة أحكام وتوجيهات وإرشادات قيّمة لتكميل النفوس المستعدة وإعدادها لنيل الفيوضات الإلهيّة وهدايتها إلى ما يوجب سعادتها ، فاجتمعت في هذه الآية المباركة الغايتان الخاصّة ـ للتشريعات الثلاثة المتقدّمة ـ والعامّة لمجموعات الأحكام الإلهيّة.