الصحابة في المدينة ، وكانوا يعاملونهم بالمساواة التامّة.
والحقّ أنّ الآية الشريفة تدلّ على معنى أعظم ممّا ذكره ، فإنّها تدلّ على حكم اجتماعيّ له الأثر الكبير في حفظ كيان الإسلام والمسلمين وعدم ضياع معالمهم وحفظ أخلاقهم السامية ، فإنّ النهي عن محبّتهم والتودّد إليهم يستوجب كراهة عقيدتهم وأعمالهم المنافية مع تعاليم الإسلام الحنيف وعدم الاستنصار منهم ، وقد غفل عمّا ترمز إليه الآية الشريفة ، وما ذكره في توجيه مراده لا يمكن الاعتماد عليه ، فإنّ الإسلام لم يضيع حقّا من حقوق أهل الأديان الإلهيّة التي تكون في بلاده ، فإنّ التزامهم تنفيذ شروط الذمّة ممّا يجعلهم في مصاف الموادين للإسلام وعدم صدور ما يغيض المسلمين أو يكرهه الإسلام. وما ذكره من براءة الآية بمفرداتها واسلوبها من ذلك فهو عجيب ، فإنّ الآية باسلوبها الرفيع ودلالة سياقها وأجزائها تدلّ على أنّ المراد هو الأعمّ دون ولاية الحلف فقط ، فإنّ قوله تعالى : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، فإنّ ذلك كلّه يدلّ على أنّ المراد من الولاية الأعمّ ، ويدلّ على ما ذكرنا قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٨] ، فإنّه صريح في ذلك ، ويزيد أنّ هذه الولاية المنهي عنها قد يحتاج إليها في موارد الضرورة ، كما كان هناك معاهدات وأحلاف بين النبي صلىاللهعليهوآله وبين اليهود والمشركين ، فلو كانت مختصّة بولاية المحبّة فقط ، لما كان وجه لجوازها عند الضرورة ، فإنّ المحبة القلبيّة لا تصل إليها الضرورة ، كما في سائر الأمور النفسيّة والقلبيّة ، وسيأتي ما يرتبط بالمقام.
وبالجملة : الآية الشريفة تدلّ على النهي عن تولّي اليهود والنصارى بالمحبّة والنصرة ، فإنّ من تولّى قوما لحق بهم ، وقد قيل : إنّ المرء مع من أحبّ ، وتوجب الدخول في زمرتهم.
وإنّما ذكر اليهود والنصارى دون أهل الكتاب كما عبّر به في غير المقام ، لبيان