سبب المعاداة بينهم وبين المسلمين ، وأنّه الأوهام الباطل ، لا من حيث كتابهم ، فإنّه لو عبّر به لكان فيه إشعار إلى قربهم من المسلمين نوعا ما يوجب إثارة المحبّة ، فلا يناسب النهي عن اتّخاذهم أولياء ، هذا بخلاف ما ورد في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) [سورة المائدة ، الآية : ٥٧]. فإنّ توصيفهم باتّخاذهم دين الله هزوا يستدعي أن يكون الوصف ، أي : كونهم ذو كتاب ، ذمّا لهم ونقصا لا مدحا ، فإنّ كونهم ذوي كتاب تقتضي أن لا يتّخذوا دين دين الله هزوا ولعبا ، فإنّ ذلك يكون ادعى لأنّ لا يتّخذوا أولياء.
قوله تعالى : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).
بيان وتأكيد لما سبق ، وتعليل للنهي السابق في قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى). والمعنى : لا تتّخذوهم أولياء لأنّهم مع تفرّقهم واختلافهم وشقاقهم ومضادتهم وتنافرهم فيما بينهم ، لكنهم أولياء في العون والنصرة على الحقّ وأهله ، فقد اتّحدت آراؤهم وتجاذبت نفوسهم بسبب تلك الولاية البغيضة التي ثبتت فيما بينهم على الاستكبار عن قبول الحقّ ، واجتمعت كلمتهم على المعاداة له وإطفاء نور الله تعالى وتناصرهم على النبي صلىاللهعليهوآله والمسلمين ، لأنّهم استرسلوا في اتّباع الهوى وانغمسوا في مشتهيات النفس ، فالكلّ متّفقون على الكفر ، مجمعون على مضارّتكم ومضادّتكم ، فلا يرجى منهم خير ولا نفع لكم في الاقتراب منهم بالمودّة والمحبّة ، فلا يتصور بينكم وبينهم موالاة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).
وعيد لمن خالف النهي ، وتهديد شديد مبالغة في الزجر. و (من) تبعيضية ، والتولي : هو الاتّخاذ ، أي : ومن يتّخذهم منكم أولياء ، فإنّه يكون من جملتهم وجماعتهم ، ويكون حكمه حكمهم تنزيلا ، ومثل ذلك كثير ، فإنّ ارتكاب نهي من المناهي الشرعيّة أو إتيان فعل من أفعال أعداء الله تعالى ، أو ترك واجب من الواجبات الإلهيّة ، قد يوجب الكفر ويلحق المؤمن بالكافرين ، وإن كان على الإيمان