ظاهرا ، لأنّ للإيمان والكفر مراتب متفاوتة وكثيرة ، شدّة وضعفا ، قال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [سورة سورة يوسف ، الآية : ١٠٦] ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بذلك في أحد مباحثنا السابقة فراجع.
والسرّ في هذا التنزيل وإلحاقهم باليهود والنصارى ، لأنّهم لم يسلكوا سبيل الهداية والرشاد الذي هو الإيمان ، بل سلكوا سبل أعداء الله تعالى ، فكانوا من أهل دينهم وملّتهم ، فيؤول أمرهم إلى ما يؤول إليه أمر الكافرين ، فلا يعقل أن يقع ذلك من مؤمن صادق في إيمانه.
والآية الشريفة إنّما تبيّن أصل التنزيل ، وأما سائر الخصوصيات فلا بدّ من الرجوع فيها إلى السنّة الشريفة ، نظير قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٩٧] ، فإنّه يدلّ على أنّ من خالف هذا الحكم يكون من الكافرين تنزيلا ، وأما الأحكام الفرعيّة المترتّبة على هذا التنزيل ، فلا يمكن أن تستفاد من إطلاق هذه الآيات ، لأنّه لم يكن في مقام البيان من هذه الجهة.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
تعليل للوعيد السابق ، وبيان لجهة التنزيل ، أي : أنّ من يتولّاهم من المؤمنين لا يكون سالكا سبيل الإيمان ، بل هو ظالم مثل من تولّاهم ، والله لا يهدي القوم الظالمين ، فهم قد ظلموا أنفسهم ، لأنّهم حرموها من الهداية الإلهيّة وظلموا قومهم بمولاتهم للكفّار الذين نصبوا الحرب للمؤمنين.
قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
تفريع على ما سبق ، فإنّ من آثار عدم هداية الله تعالى للقوم الظالمين أنّهم يسارعون في الغواية والضلال وموالاة الكافرين.
ومرض القلب الذي اختصّ القرآن الكريم بذكره من أسوأ الأمراض التي تصيب الإنسان ، فإنّه يخرجه عن استقامة الفطرة والطريق السوي إلى الشكّ والريب اللذين يستوليان على عقيدته ودينه وخلقه ، فلا يمكن له أن يحصل ثبات