يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، فيفضحهم ويظهر للملأ بطلان ذرائعهم وفساد عقيدتهم ، وفي المقام بيّن عزوجل وعده للمؤمنين بالفتح والغلبة على الكافرين ، بعد ما ذكر في الآية السابقة اعتذارهم عن موالاة اليهود والنصارى وأنّهم يخشون الدائرة عليهم ، فقد تولّوا أعداء الله تعالى وخالفوا النهي الإلهيّ ، فلا بدّ من إظهار كذبهم وكشف حقيقتهم بأنّهم منافقون أظهروا للنبيّ صلىاللهعليهوآله وللمؤمنين ما ليس في قلوبهم ، فكانوا في شكّ من قدرة الله تعالى على تنفيذ وعده للمؤمنين ، فالآية الشريفة وعد محتوم منه عزوجل ، لا من جهة أنّ (عسى) منه تعالى جزم ، ومن غيره ترج ، بل لأنّ سياق الكلام يدلّ على أنّه وعد محتوم ، لا سيما بعد أن تضمّن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) من الوعد ، فكان لا بدّ من تثبيت صدقه وتوكيد وعده.
ومادة (فتح) تدلّ على الفصل في الشيء والقضاء فيه ، قال تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) [سورة الأعراف ، الآية : ٨٩] ، أي : افصل بيننا وبينهم. ومنه فتح البلاد ، قال تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) [سورة السجدة ، الآية : ٢٨] ، ومنه المفتاح ونحو ذلك.
واللام في الفتح للجنس وليس للعهد كما ذكره جمع من المفسّرين ، فاختلفوا في تعيينه ، فقيل : إنّه فتح مكّة الذي كان به ظهور الإسلام ، وبه أنجز الله تعالى وعده لرسوله.
وردّ بأنّه غير صحيح إلّا إذا نزلت الآيات هذه قبل فتح مكّة ، وهو أوّل الكلام ، وايّد هذا القول بأنّه المراد في أغلب موارد استعمال الفتح في القرآن الكريم ، ولكن يشكل أنّه إذا كان المراد به ذلك فقد وصفه عزوجل بأنّه لا ينفع الكافرين إيمانهم بعد الفتح ، وهو لا ينطبق على فتح مكّة ولا على غيره ، قال تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [سورة السجدة ، الآية : ٢٨ ـ ٣٠]. ومن المعلوم أنّه لا ينطبق هذا الوصف على فتح مكّة ولا على سائر الفتوحات التي أعزّ بها الإسلام ، فإنّ الإيمان منهم يقبل ، فلا بدّ أن يكون هذا