من الفتح والنصرة ، ومن هنا كان وجه الاشتراك بين من تضمّنته الآية الشريفة وسائر المنافقين ، فإنّ للنفاق مظاهر مختلفة وسبلا متعدّدة هذه أحدها ، فلا بأس بالقول بأنّهم منافقون أظهروا الإيمان وخالطوا المؤمنين طمعا بهم إن هم ظفروا بالكافرين ، ووالوا اليهود والنصارى طمعا بهم إن هم ظفروا بالمؤمنين ووقعت الدائرة عليهم.
وكيف كان ، فالآية الشريفة من الملاحم القرآنيّة التي فيها إخبار عن حالات هذه الامّة ، ووعد منه عزوجل في نصرة هذا الدين والفصل بين المؤمنين والكافرين والمنافقين ـ فقد وعدهم الله تعالى بالفتح المبين عليهم ـ وأمر فيه إعزاز هذا الدين وإظهار الإسلام وإذلال المشركين الكافرين.
وهي لا تختصّ بحكم خاصّ ، بل تشمل كلّ ما فيه هذا المناط ولو كان من الأحكام الإلهيّة والتشريعات الربّانية التي فيها عزّة الإسلام ونصرته وغيرها.
قوله تعالى : (فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ).
أي : أنّهم أسروا في أنفسهم النفاق وتولّي اليهود والنصارى ، وجدّوا في المسارعة فيه إرضاء للشهوات الدنيئة في نفوسهم ، لينالوا به ملاذ الدنيا وإطفاء نور الله عزوجل ، وهو الذي مراد اليهود والنصارى أيضا ، ولكنّهم غفلوا عن عواقب الأمور وأنّ الله محيط بهم ، فقد يفضحهم ويقطع أملهم فيصبحوا على ما أسروه نادمين. وقد ذكر عزوجل في الآية التالية سبب ندامتهم ، وهو حبط أعمالهم وخسرانهم في صفقتهم. والندامة إنّما تحصل من ترك ما ينبغي فعله أو فعل ما ينبغي تركه ، وهم قد فعلوا كليهما ، فقد تركوا حبّ دين الله والمؤمنين ، ففعلوا العجائب في دينه تعالى ، منها الشكّ في أمر الرسول صلىاللهعليهوآله ، وتولّي الكافرين ، ويكفي الواحد منهما في الندامة وقطع كلّ أمل لهم في الدارين بعد ما أنزل الله تعالى من الفتح والأمور من عنده ، وسوف يخسرون كلّ شيء ويبطل سعيهم بعد فتح الله الأكبر وظهور الحقّ ومحو الباطل وزهوقه.