يمكن القول بأنّ ذلك حاصل في هذه الدنيا ، فإنّ المؤمن ينظر بنور الله فيرى أنّ حال هؤلاء آيلة إلى الخسران ، فيتعجّب من حالهم وهم في غفلة من عاقبة أمرهم.
بحث دلالي :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) ، على أحد أهمّ الأحكام الاجتماعيّة التي يحفظ بها المسلمون استقلالهم ووحدتهم ومشاعرهم اتّجاه بعضهم البعض ، فيكونوا يدا واحدة كالبنيان المرصوص أمام أعدائهم الذين يتربّصون بهم الدوائر ، ولأهمّيّة هذا الحكم الإلهيّ فقد ذكره القرآن الكريم في مواضع متفرّقة ، وتعرّض إلى بعض الأسباب التي تدعو إلى اتّخاذهم أولياء ، والمخاطر التي تترتّب عليه. وحذّر عزوجل المؤمنين من اتّخاذ أعدائهم أولياء ، وبيّن الآثار الظاهرة المترتّبة عليه في عدّة مواضع من القرآن الكريم.
أما الأسباب التي دعت المنافقين والذين في قلوبهم مرض إلى اتّخاذهم أولياء ، فهي كثيرة ، منها : ما ورد في الآية التي تقدّم تفسيرها ، قال عزوجل حكاية عنهم : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ).
ومنها : ما ذكره تعالى : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) [سورة النساء ، الآية : ١٤٤]. فإنّ ولاية أعداء الله تعالى ممّا يوجب تعرّض المتولّي لسخط الله ، ويجعل الله على نفسه الحجّة فيضلّه ويخدعه.
منها : الغفلة عن الله تعالى وقدرته وسلطانه ومكره ، قال عزوجل : (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٣] ، وغير ذلك ممّا ذكره عزوجل في هذا الموضوع. ويمكن إرجاع ذلك إلى الغفلة عن الله والشكّ في قدرته وسلطانه ، كما أشارت إليه الآية المتقدّمة. وأما الآثار التي تترتّب على هذا