الظلم الفرديّ والجمعيّ ، فهي كثيرة ، ويكفي في شدّتها وهولها وفظاعة هذا الأمر أنّ الله تعالى يسلب الهداية عمّن اتّخذ أعداءه أولياء ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). ومن نتائج سلب الهداية عنهم أنّهم خسروا الدنيا والآخرة وفي العذاب هم خالدون ، وأنّ ولاية أعداء الله توجب الدخول فيهم وأن يكون من زمرتهم ، وسيحشره الله تعالى معهم ، قال تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، وسيحرمه الله تعالى ممّا تمنّاه في ولايتهم ، قال تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [سورة النساء ، الآية : ١٣٩] ، فإنّه عزوجل يرفع عنهم العزّة بعد ما اتّخذوهم أولياء لابتغاء العزّة عندهم. وقال عزّ من قائل : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) ، وتأتي تتمة الكلام في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
الثاني : تدلّ الآيات الشريفة على ملحمة قرآنيّة ، وهي ما يؤول إليه أمر هذه الامّة إذا تحقّق منهم الموالاة لأعداء الله تعالى ، وأنّها توجب انهدام بنية هذا الدين ، وأنّها تقطع أواصر الترابط بين أفراده ولا يعود إلى عزّته ونشاطه وتأثيره ، إلّا أن يبعث الله من يقوم بالأمر ويعيد مجد هذا الدين ويحيى تراثه ومعالمه إن شاء الله تعالى.
الثالث : يدلّ سياق الآيات الشريفة على أنّ الولاية المنهيّ عنها إنّما هي الولاية التي يترتّب عليها الأثر من المخالطة والتشبّه بأعمالهم وأفعالهم والدخول في زمرتهم ، دون ولاية المحبّة فقط ، وإن كانت مبغوضة أيضا. كما تدلّ عليه جملة من الروايات ، وسيأتي في البحث العرفانيّ ما يتعلّق بالمقام.
الرابع : يدلّ قوله تعالى : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، على أنّ أعداء الله تعالى على تفرّقهم وتشتّتهم طرائق ومذاهب ، إلّا أنّهم أولياء بعض في مقابل الحقّ والمؤمنين ، ولا تختص هذه الحقيقة بعصر النزول ، بل هم كذلك ما دام الصراع بين الحقّ والباطل قائما ، ويكفي تصوّر هذه الحقيقة في الابتعاد عنهم وعدم اتّخاذهم أولياء.