الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، على أنّ ولاية أعداء الله تعالى ظلم عظيم يوجب دخول المتولّي في زمرة الكافرين ، لأنّ المحبّة والمودّة تجمع المتفرّقات وتوحّد النفوس المختلفة ، وتؤثّر على الأحاسيس والإدراكات ، فتتأثّر الأخلاق وتتشابه الأفعال ، فيحذوا المتولّي حذو من تولاه في شؤون الحياة ومستوى العشرة ، ولذا أوجبت الولاية البعد عن الله تعالى ، والمتولّي لا يكون منه من شيء ، فكلّما اشتدّت المحبّة والمودّة لأعداء الله ، كلّما ابتعد عن الله تعالى واقترب منهم حتّى يصير واحدا منهم ويلتحق بهم ، ولذا قيل : من أحبّ قوما فهو منهم.
السادس : يستفاد من سياق الآية الشريفة أنّ الولاية المنهيّة التي توجب لحوق قوم بقوم وكونهم منهم ، هي ولاية المحبّة والمودّة ، دون ولاية الحلف التي تنعقد لمصالح خاصّة ، وقد عقدها رسول الله صلىاللهعليهوآله مع المشركين والكافرين في ظروف خاصّة. ويدلّ على ذلك ما ورد نظيرها عنه تعالى ناهيا عن ولاية المشركين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ـ إلى أن قال عزوجل : ـ (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [سورة الممتحنة ، الآية : ١ ـ ٩] ، فإنّ الولايتين من باب واحد ، فتكون الولاية التي تقتضي لحوق من تولّى بمن تولاه هي ولاية المحبّة ، وهذا ما يقتضيه الاعتبار أيضا ، فإنّ التولّي والتودّد لا يكون إلّا بين اثنين بينهما السنخيّة التي تقتضي الدخول في الأسناخ والأشباه. وقد تقدّم ما يتعلّق بذلك في التفسير فراجع.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، على أنّ تولّي الكافر ظلم ، لأنّه تعريض النفس للعذاب وابعاد لها عن مواضع الرحمة وقطع لمسيرة الكمال الذي ينشده الإنسان في الحياة الدنيا ، والله لا يهدي من كان ظالما ومانعا عن سبل الهداية والكمال ، بل يخلّيه وشأنه ويكله إلى نفسه ، وهو ممّا تعوّذ منه الأنبياء والرسل ، فإنّه فيه هدم للكيان الإنسانيّ خلقيّا وعقائديّا.