الثامن : يدلّ قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، على أنّ القلوب تمرض كما تمرض الأبدان ، فلا بدّ أن تكون لها صحّة وسلامة ، إذ هما من المتضايفان لا يتّصف الموضوع بأحدهما إلّا إذا أمكن اتّصافه بالآخر ، ولا ريب أنّ مرض القلب الذي يخبر عنه القرآن الكريم أسوأ من سائر الأمراض ، فإنّه يميت القلب عن كسب الكمال ويخرجه عن استقامة الفطرة ويوجب انحرافه عن الصراط السوي الذي يوصله إلى الكمال المنشود. والمستفاد من الموارد التي وردت فيها هذه الكلمة أنّ مرض القلب يوجب الإرباك في العقيدة والشكّ والارتياب في الإيمان بالله تعالى وعدم الطمأنينة بآياته وأحكامه وتشريعاته ، وبالآخرة يؤثّر ذلك على الأعمال والأفعال التي تصدر ممّن مرض قلبه ، فتكون أقرب إلى الفسق والكفر منها إلى الطاعة والإيمان. وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
التاسع : يدلّ قوله تعالى : (فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) ، على أنّ الله تعالى يظهر المنويّات في الدار الدنيا من القلوب قبل الآخرة ، فإذا كانت حسنة ظهرت على الأقوال والأعمال ، وإن كانت سيئة ظهرت كذلك لا محالة ، فترى الذين في قلوبهم مرض واستبطنوا النفاق والشكّ والارتياب يسارعون في الكفر وموالاة أعداء الله تعالى ، ويعرضون عن الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوآله واتّباع أحكامه وتشريعاته ، فسيظهر الله تعالى أعمالهم ويصبحوا خاسرين لا تنفعهم أمانيهم ولا أعمالهم في دفع ما استحقّوه من العذاب.
بحث روائي :
في الدرّ المنثور في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى) أخرج ابن إسحاق وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد : «انّ عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلىاللهعليهوآله تشبّث بأمرهم عبد