لشدّة ارتباط القلوب بالأبدان ، ومن المعلوم أنّ المرض إذا أحلّ في مكان ، فلا بدّ أن لا تكون هناك صحّة ، إذ المرض والصحّة متقابلان ، تقابل العدم والملكة ، لا يتحقّق أحدهما في محلّ إلّا بعد إمكان تلبّسه بالآخر ، فإنّه لا يتّصف الجدار بالمرض لعدم شأنيّته للصحّة ، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من عشرة مواضع ، قال تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) [سورة الأنفال ، الآية : ٤٩] ، وقال تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [سورة الأحزاب ، الآية : ١٢]. والمستفاد من مواضع استعماله أنّ مرض القلب يخرج صاحبه عن الاستقامة ويوجب انحراف الشخص عن سواء الطريق ويجعل صاحبه في معرض الشكّ والارتياب ، كما قال عزوجل عنهم في الآية السالفة : (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) ، فيكدر صفو الإيمان بالله ورسوله ، ويسلب الطمأنينة إلى آياته وتشريعاته ، ويوجب خلط الإيمان بالشرك ، فلا يقدر صاحبه على التمييز بين ما هو نافع له أو ضار. ولذلك ترى أنّه يصدر عن صاحب هذا القلب في مقام العمل ما يناسب الشرك والكفر بالله تعالى وآياته ، حتّى يصل إلى حدّ الكفر.
ويختلف هذا المرض كسائر الأمراض الجسمانيّة شدّة وضعفا وكثرة وقلّة ، كما تدلّ عليه الآية الشريفة : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [سورة البقرة ، الآية : ١٠] ، وقال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) [سورة التوبة ، الآية : ١٢٥].
ويستفاد من الآية الشريفة أنّ هذا المرض ربّما يزيد ويستقرّ في القلب حتّى يطبع المريض في مرضه ، ثمّ ينجرّ به إلى الهلاك والموت على الكفر ، لكثرة معاصيه وموبقاته ، قال تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) [سورة الروم ، الآية : ١٠].
ثمّ إنّ ظاهر قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [سورة الأنفال ، الآية : ٤٩] أنّ الذين في قلوبهم مرض غير المنافقين ، وإن كانا