ودعوى : سقوط الأمر لأجل الحرج ، فلا وجه لصحّة العلم العباديّ المتقوّم بقصد الأمر.
مدفوعة : بأنّ سقوط الأمر لا يستلزم سقوط الملاك ، ومقتضى الأصل بقاؤه إلّا أن يدلّ دليل على سقوطه أيضا.
والفرق بين الحرج والضرر أنّ الأوّل أعمّ موردا من الثاني ، لشموله للمشقّة التي لا تتحمّل عادة ، وإن لم يكن نقص في البين ، وقد ثبت في محلّه أنّ الأمور إما دون الطاقة ، أو بقدرها ، أو فوقها ، والأول مورد في جملة من الأخبار ، والثاني مورد الحرج ، والثالث مورد الضرر.
ونفي الحرج كنفي الضرر يحتاج إلى التقدير ، وفيه أقوال ذكرناها في علم الأصول ، ومن شاء فليرجع إلى كتابنا (تهذيب الأصول) والله العالم.
بحث عرفاني :
الإنسان المتخلّق بأخلاق الله تعالى يكون مظهرا من صفات لطف الحقّ ، ولذا يكون قبوله قبول الحقّ ، وردّه ردّ الحقّ ، ولعنه لعن الحقّ ، ويكون دعاؤه دعاء الحقّ وكذا صلاته ، فإذا صلّوا على أحد كان صلاتهم صلاة الحقّ ، قال تعالى مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآله : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ١٠٣] ، وقال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٢] ، وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) [سورة الأحزاب ، الآية : ٤٣].
وهذا الكمال لا يتحقّق في الإنسان المؤمن إلّا بالمعرفة الكاملة والإفاقة عن الغفلة ، وفي الآيات المباركة المتقدّمة تلميح إلى ما يصل به المؤمن بالرقي في تلك المراتب ، حتّى يصل إلى مقام القرب لديه جلّت عظمته ، فقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إيمانا حقيقيّا ، فيكون الخطاب مع الذين قالوا : «بلى» عند ما تجلّى بقوله جلّ شأنه : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) في يوم الميثاق ، فعاينوا ثمّ : (قالُوا بَلى