والآثام ، وطاعة الله والعمل بشرائعه وتكاليفه ، وهذه المنزلة لا يمكن أن يصل إليها الإنسان إلّا بطي مراحل ، منها : الخروج عن التكاليف الربانيّة والمواثيق الإلهيّة بسلام وأمان ، ومنها : إقامة الشهادة لله تعالى والقيام بالقسط في جميع الأمور حبّا له عزوجل ، لا يستفزه حبّ مال أو جاه أو شخص قريبا كان أم بعيدا ، فتكون آية النساء كالمقتضي لآية المائدة والمعدّ لها.
وتجمع الآيتين رابطة محكمة قويمة وهي التقوى ، لأنّها أساس الكمالات وروح كلّ عبادة وعمل صالح. ولذا أكّد عليها عزوجل وحذّر على تركها بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا).
ردع عن الظلم في الشهادة وتحذير من عدم العدل فيها ، وتقدّم الكلام في مادة (جرم) في آية ـ ٢ من هذه السورة والشنآن شدّة البغض والعداوة.
أي : ولا يحملنكم شدّة بغضكم لقومكم وعداوتكم لهم على أن لا تعدلوا في أمرهم ، بأن لا تشهدوا لهم في حقوقهم بالعدل ، فلا تظلموا أحدا حتّى لو كان عدوّا لكم.
قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).
تأكيد على مراعاة العدل في جميع الأمور ، وفي خصوص الشهادة على المشهود له وإن أبغضه ، بأن لا تكون عداوته أو كفره مانعا عن العدل عليه ، والضمير (هو) يرجع إلى العدل الذي تضمّنه الفعل.
ويستفاد من الآية الشريفة أنّ العدل من الأسباب القريبة للتقوى ، التي هي نهاية الطاعة وأسمى الكمالات وأساس المكارم ومنها تنبثق سائر الفضائل ، لأنّ العدل طاعة تناسب طاعة التقوى ، ولهذا تحقّق القرب بينهما.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ).
فإنّ التقوى هي الغاية من إرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الأحكام ،