قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
أمر بالتوكّل على الله تعالى خاصّة دون غيره من الأسباب ، استقلالا ومشاركة معه عزوجل. وإنّما قدّم التقوى للإعلام بأنّ التوكّل على الله تعالى كذلك لا يمكن أن يحصل إلّا بعد معرفته عزوجل وإتيان جميع السبل الموصلة إليه تعالى وترك ما لا يرضيه ، فمن أعرض عن الطاعة وتنكّب عن سنّة الله تعالى وخالف شريعته ، لا يسمّى متوكّلا عليه عزوجل ، وتقدّم في قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠] بحث في التوكّل يتضمّن جوانب عديدة فيه فراجع ، والآيتان متشابهتان في النسق والتعبير.
وإطلاق الآية المباركة هنا يشمل جميع الأمور التشريعيّة والتكوينيّة ، بأن يوكلوا أمر الدين عليه عزوجل ويكفّوا عن إبداء الرأي فيه ، فإنّ عليهم الطاعة في ما أنزله تعالى من التشريعات من دون تصرّف فيها ، وعليه الكلاءة لهم في جميع أمورهم ، فإنّه القادر وحده على صرف ما يريده الأعداء من السوء.
والآية المباركة تحذّر المؤمنين من ترك التقوى وترك التوكّل عليه عزوجل ، لما له من الأثر السيء ، ويظهر ذلك بوضوح فإنّه عزوجل ذكر ذلك بعد سرد أحوال أهل الكتاب ، لا سيما اليهود منهم خاصّة الّذين أخذ منهم الميثاق وأعطوا السمع والطاعة ثمّ نقضوه وأعرضوا عن الطاعة ، فابتلاهم الله تعالى بأنواع البلاء والمحن ولعنهم لعنا وبيلا ، كما حكى عزوجل أحوالهم في ما تقدّم ، فكان ذلك داعيا للمؤمنين بالتمسّك بحبل الله وإعطاء السمع والطاعة ومتابعة الرسول ، حتّى لا يقعوا في ما وقع فيه أهل الكتاب ، فكان المقام يقتضي تحذيرهم عن مخالفة التقوى وترك التوكّل على الله عزوجل ، وإن كان ظاهر الكلام بصورة الأمر فإنّه ادعى للتحذير ، وللاعتبار بأحوال الماضين.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
كلام مستأنف لمزيد التقرير على ذكر النعمة وشكرها ومراعاة حقّ الميثاق ،