التفسير
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).
تقدّم الكلام في هذا الخطاب الربوبي ، وذكرنا أنّه يشتمل على جملة من العهود والالتزامات والتوجيهات والإرشادات ، ويكفي في عظمته أنّه تعالى يخاطب أحبّ عباده إليه ، ويورده متى ما أراد تشريع حكم وبيان إرشاد أو توجيه ربوبي.
قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ).
بيان لشرطيّة الطهارة للصلاة ، وإرشاد إلى أنّ من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها ، بحيث لا ينفكّ الفعل عن الإرادة ، وتأكيد لحفظ شرعيّة الوضوء وحفظ صورته بالقيام بما ورد في الشريعة من الأحكام والآداب فيه.
وتقدّم الكلام في مادة (قوم) في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [سورة البقرة ، الآية : ٣] واختلف العلماء والمفسّرون في المراد من القيام في المقام ، ولكنّ الظاهر المنساق من الآية الكريمة أنّ المراد منه هو إرادة الصلاة بالتهيؤ إليها ، فإنّه قد يعبّر بالفعل ويراد منه إحدى المقدّمات القريبة منه ، كما أنّ العكس أيضا صحيح ، إما لعلاقة الملازمة والسببية ، أو لعلاقة الأوّل والمشارفة ، أو لشدّة الارتباط بينهما ، وقد ورد كلاهما في الاستعمالات الصحيحة وكلمات الفصحاء ، ففي القرآن الكريم قال تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) [سورة النساء ، الآية : ١٠٢] ، حيث استعمل الفعل وهو القيام وأريد منه المقدّمات القريبة الملازمة للقيام للصلاة ، أي : إذا أردت وأقمت لهم الصلاة ، وقال تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [سورة النساء ، الآية : ٢٠] ، أي : إذا طلّقتم زوجا وجئتم بأخرى.
وفي المقام يراد من القيام إرادة الصلاة ، فليس المراد منه القيام مقابل الجلوس الذي هو فعل من أفعال الصلاة ؛ لأنّه قيام للصلاة كالركوع والسجود ، لا