وعموم التحريف يشمل الحذف والتبديل والزيادة والتغيير والتقديم والتأخير ، وتحريف الألفاظ والمعاني بحمل اللفظ على غير ما أريد منه ، وقد حصل كلّ ذلك منهم في كلام الله تعالى ، كما حكي عنهم في غير موضع من القرآن الكريم ، وأثبتته كتب التواريخ ، فراجع كتب شيخنا البلاغي (رحمة الله عليه) ، فإنّه قد كفانا مؤنة النقل ، جزاه الله تعالى خير جزاء العاملين.
قوله تعالى : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ).
أي : بسبب تحريفهم لكلام الله تعالى أن فاتتهم حقائق واقعيّة ومعارف ربوبيّة وتوجيهات وإرشادات إلهيّة من الدين التي لم تكن إلّا حظا سعيدا لهم ، فأفسدوا سعادتهم بسبب هذا النسيان والضياع ، فلا يكون عقابها إلّا الشقاء والحرمان.
وقد حكى تبارك وتعالى في القرآن الكريم جملة ممّا تركوه ، كقولهم بالتشبيه ، وتحريمهم للطيبات ، والإعراض عن الإيمان بخاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله وعصيانه وغير ذلك ، ونظير هذه الآية الشريفة قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٢٣]. وهذا من جملة الملاحم القرآنيّة التي تنبّه المؤمنين إلى لزوم الطاعة واتّباع كتاب الله تعالى وعدم الوقوع في ما وقع فيه أهل الكتاب ، وإلّا أصابهم بمثل ما أصابهم.
قوله تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ).
الخائنة بمعنى الخيانة ، كالكاذبة ، واللاغية ، والقائلة ، فتكون مصدرا على وزن فاعلة ، وقد يعبّر بصيغة الفاعل بالمصدر وبالعكس أيضا.
وقيل : إنّها وصف لمحذوف إما مذكر والهاء للمبالغة ، كما في راوية لكثير الرواية. وإما مؤنّث بتقدير موصوف مؤنّث كالفرقة ، والطائفة ونحوهما.
والخطاب للرسول صلىاللهعليهوآله ، أي : أنّ الخيانة عادة مستمرة فيهم ، فلا تزال تطلع